سمعت أن من يذهب من جدة إلى مكة وهو من سكان جدة لا يجوز له قصر الصلاة ؛ لأن المسافة بين المدينتين ليست مسافة قصر، بناء على هذا هل يجوز للمرأة أن تذهب بدون محرم لأداء العمرة إذا كانت من سكان جدة ؟
هل يلزم المحرم في سفر المرأة للعمرة من جدة إلى مكة؟
السؤال: 261773
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
جمهور الفقهاء على أن السفر الذي تقصر فيه الصلاة هو ما كان أربعة برد أو ستة عشر فرسخا، وهي ما يساوي 80 كيلومترا تقريبا، وقد كانت هذه المسافة قائمة بين مكة وجدة قديما، لكن مع اتساع العمران، لم تعد هذه المسافة موجودة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته “حقيقة الصيام” :
” وأما مقدار السفر الذي يقصر فيه ويفطر: فمذهب مالك والشافعي وأحمد : أنه مسيرة يومين قاصدين بسير الإبل والأقدام وهو ستة عشر فرسخا كما بين مكة وعسفان ومكة وجدة. وقال أبو حنيفة: مسيرة
ثلاثة أيام. وقال طائفة من السلف والخلف: بل يقصر ويفطر في أقل من يومين. وهذا قول قوي فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعرفة ومزدلفة ومنى ، يقصر الصلاة وخلفه أهل مكة وغيرهم ، يصلون بصلاته ، لم يأمر أحدا منهم بإتمام الصلاة” انتهى من مجموع الفتاوى (25/ 211).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في التعليق على هذه الرسالة: ” قوله رحمه الله: مكة وجدة هذا في عهد المؤلف .
وأما الآن فبينهما أقل بكثير من مسافة قصر” انتهى من ” التعليق على رسالة حقيقة الصيام” ص64 ترقيم الشاملة.
وقال رحمه الله: ” ليس بين مكة وجدة حالياً مسافة قصر ، حتى على تقدير القائلين بالتحديد بالمسافة ، بسبب زحف البنيان، فبينهما الآن خمسون كيلومتر تقريباً” انتهى من “ثمرات التدوين” ص41 ترقيم الشاملة.
ثانيا:
دلت السنة الصحيحة الصريحة على أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم ، وهذا السفر لا يحدد بمسافة معينة ، بل كل ما سمي سفرا ، طويلا كان أو قصيرا ، تمنع المرأة منه إلا مع وجود المحرم .
روى البخاري (1729) ومسلم (2391) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ).
قال النووي رحمه الله في “شرح صحيح مسلم” (9/ 103) مبينا أن السفر هنا لا يتقيد بمسافة معينة:
” قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم) وفي رواية: (فوق ثلاث) وفي رواية: (ثلاثة) وفي رواية: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم) وفي رواية: (لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها) وفي رواية: (نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين) وفي رواية: (لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها ذو حرمة منها) وفي رواية: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم) وفي رواية: (مسيرة يوم وليلة) وفي رواية: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) هذه روايات مسلم. وفي رواية لأبي داود: (ولا تسافر بريدا) والبريد مسيرة نصف يوم.
قال العلماء: اختلاف هذه الألفاظ : لاختلاف السائلين ، واختلاف المواطن ؛ وليس في النهي عن الثلاثة تصريح بإباحة اليوم والليلة ، أو البريد.
قال البيهقي: كأنه صلى الله عليه وسلم سئل عن المرأة تسافر ثلاثا بغير محرم ، فقال : لا . وسئل عن سفرها يومين بغير محرم ، فقال : لا، وسئل عن سفرها يوما : فقال : لا، وكذلك البريد، فأدى كل منهم ما سمعه. وما جاء منها مختلفا عن رواية واحدٍ، فسمعه في مواطن، فروى تارة هذا وتارة هذا . وكله صحيح، وليس في هذا كله تحديد لأقل ما يقع عليه اسم السفر ، ولم يرد صلى الله عليه وسلم تحديد أقل ما يسمى سفرا.
فالحاصل : أن كل ما يسمى سفرا تنهى عنه المرأة ، بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام ، أو يومين ، أو يوما أو بريدا أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس المطلقة وهي آخر روايات مسلم السابقة: (لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم) وهذا يتناول جميع ما يسمى سفرا والله أعلم ” انتهى كلام النووي.
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (17/339) : “يحرم على المرأة السفر بدون محرم مطلقا ، سواء قصرت المسافة أم طالت” انتهى .
وبهذا تعلمين الفرق بين قصر الصلاة الذي يشترط له المسافة عند الجمهور، وبين سفر المرأة بلا محرم، فإنه يلزمها المحرم في كل ما يسمى سفرا ، ولو لم يبلغ مسافة القصر.
فإذا أردت العمرة وأنت من سكان جدة، لزمك المحرم.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب