0 / 0

نظرة الإسلام للابتلاء بمرض الإيدز وواجب المجتمع تجاه من ابتلي به

السؤال: 264134

ما حكم الإسلام فى مرضى الإيدز ، الذين تم ولادتهم بهذا المرض من الأم التى كانت تحمل المرض؟ هل يعتبر ذلك بلاء؟ علما باْن الإيدز لا ينتقل بالمصافحة ، أو التنفس ، أو الأكل فى نفس مكان أكل حامل الاْيدز ، وليس ينتقل إلا عن طريق الجنس غير الآمن ، والآن من الممكن لمريض الإيدز الزواج ، وإنجاب أطفال لا يحملون المرض ، وللأسف بسبب تدنى ثقافة المسلمين ، والعرب الحالية لا يعلم الكثير أسباب المرض ، ويظنون أنها من الفواحش ، والمخدرات فقط ، فما واجب المجتمع الإسلامى تجاه هذا النوع من الناس؟ اْليس من المفترض الوقوف بجانهم ، ورعايتهم نفسيا ، وإجتماعيا وعلى كل مستوى متاح ، والنهوض بالمجتمع ثقافيا على كل المستويات وليس هم فقط ، أرجو التفصيل .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

ليس من شك في أن الإصابة بهذا المرض ، وانتقال العدوى إلى طفل ، أو إنسان لم يقترف محرما ، ولا تسبب فيه ، هو من جملة الابتلاء الذي يصيب الإنسان في حياته الدنيا ، كما يبتلى الناس بسائر الأمراض والأوجاع ، والبلايا . وقد قال تعالى : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) الأنبياء/35 ، وقال تعالى : ( وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) الأعراف/168

ومن شأن العبد المؤمن ، وكمال حاله في معاملته مع ربه : أن يكون شاكرا في الرخاء ، صابرا عند الضراء . كما جاء في حديث صُهَيْبٍ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) . رواه مسلم (2999) .

وهو منتفع بصبره وعدم تسخطه على مقادير الله بتكفير خطاياه ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ، وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ مِنْ خَطَايَاهُ ) . رواه البخاري 5641  ومسلم (2573)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :  ( ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ، وولده ، وماله ، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ) . رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني .

ثانيا :

وفي حالة مرض الإيدز الذي انتقل إليه المرض من خلال أمه : فلا شك أن هذا ابتلاء من الله ، للأم ، ولابنها ، على السواء .

والأم مكلفة بالصبر على ما قدر الله عليها ، وابتلاها به ، والتوبة مما ألمت به ، وسبب لها ذلك ، إن كانت قد ألمت بشيء مما حرم الله .

والطفل مكلف كذلك بعد بلوغه بالصبر عليه ، كما أنه قد يصاب بغير ذلك من الأمراض والأسقام ، أو تحدث عليه من الحوادث ما هو مثل ذلك ، أو أشد منه .

ثالثا :

الواجب على المجتمع تجاه من ابتلي بهذا المرض أن يدعمه : دينيا، ونفسيا، واجتماعيا، وماديا.

فأما الدعم الديني : فيكون ببيان حقائق هذا الابتلاء ، وكيفية التعامل معه شرعا ، وإعانتهم على العمل بطاعة الله ، وسد جميع الذرائع النفسية أو الاجتماعية التي من الممكن أن تكون سببا في قنوطهم من رحمة الله ، أو أذيتهم من خلق الله .

ومن أعظم ما يجب اجتنابه ، والحذر منه ، الأذية لهم : تعييرهم ، أو إيذاؤهم بذنب قد تابوا منه ؛ فكيف إذا كان بأمر لا ذنب لهم فيه ؟!

روى الترمذي (2032) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ : (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ) ، صححه الألباني في “صحيح الترمذي” .

قال في “تحفة الأحوذي” :

“(وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ) مِنْ التَّعْيِيرِ وَهُوَ التَّوْبِيخُ وَالتَّعْيِيبُ عَلَى ذَنْبٍ سَبَقَ لَهُمْ مِنْ قَدِيمِ الْعَهْدِ , سَوَاءٌ عُلِمَ تَوْبَتُهُمْ مِنْهُ أَمْ لَا ” انتهى .

وينظر : جواب السؤال رقم (145473) ورقم (199049).

وأما الدعم النفسي : فيكون بعمل فرق متخصصة من الأطباء النفسيين والأخصائيين النفسيين لعمل جلسات العلاج المعرفي السلوكي cognitive behavioral therapy وجلسات العلاج النفسي الداعم supportive psychotherapy ، وذلك للتخلص من جميع الآثار النفسية السلبية لهذا المرض .

وأما الدعم الاجتماعي : فيكون بتوعية الناس بهذا المرض ، لاسيما في حالة انتقاله من الأم لابنها، وتوعيتهم كذلك بما يجب عليهم تجاه من ابتلي به ، والاجتهاد في إزالة النظرة الاجتماعية السلبية لهذا الابن بسبب ابتلاء لا يد له فيه .

وأما الدعم المادي: فيكون ببذل المال الكافي لتحصيل الأدوية التي تحد من نشاط هذا الفيروس ، وتحافظ على حياة حامله ، مع تأمين وظيفة تليق بمثله ، وتوفير تكاليف العلاج البدني ، والنفسي ، الملائم لحالته .

والحاصل :

أن دعم من ابتلي بهذا المرض ، والأخذ بيده ، وإعانته على أمور المعاش والمعاد : من مقاصد الشريعة وأخلاقها ؛ فقد ورد في الحديث أن امرأة بغيا دخلت الجنة في سقيا كلب ، وأخرى دخلت النار في حبس هرة ؛ فما ظنك بمن فعل ذلك مع آدمي ؟!!

وقد قال الله تعالى : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) البقرة/195

وقال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ) رواه مسلم (1955)

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى. رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) .

 والله الموفق لما يحب ويرضى سبحانه .

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android