ما حكم الشريعة في محارمي الذين يرفضون مرافقتي في سفري ، ويتحججون أن الدنيا أمان ، وأنه يمكنني أن أسافر وحدي ، علما بأني أعرض التكفل بتكلفة سفرهم ، لكنهم يرفضون ، أنا أحرص على عدم السفر دون محرم ، لكن محارمي خذلوني ، أرجو منكم توجيه رسالة للرجال من هذا النوع ، وتبيان حكم الشرع فيمن يستطيع السفر مع قريبته التي هو محرمها ، لكنه يرفض ، ويتهرب ليس لظروف معينة يمر بها، ولكن من حيث المبدأ لا يقبل بالسفر معها.
محارمها يتقاعسون عن مصاحبتها في سفرها
السؤال: 266024
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى المرأة أن تسافر بلا محرم ، في أحاديث كثيرة ، منها :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا (1088) ، ومسلم (1339) واللفظ له.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ رواه البخاري (3006) ، ومسلم (1341).
والمعنى الذي نهيت من أجله المرأة من السفر بدون محرم في مثل هذه الأسفار الطويلة، هو معنى معقول، وهو سد ذريعة الفتن . والمحافظة على المرأة ، وسد الطريق أمام الفساق والفجرة ، فالأسفار مظنة لفتنة المرأة إذا كانت بمفردها، والفتن أعم أن تكون باعتداء أو غيره، فالفتنة قد تحدث حتى في الأسفار الآمنة ، وهذا الحكم يشمل جميع الأسفار الطويلة والقصيرة .
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
” ويجمع معاني الآثار في هذا الباب ، وإن اختلفت ظواهرها : الحظر على المرأة أن تسافر سفرا يُخاف عليها الفتنة ، بغير محرم ، قصيرا كان أو طويلا ” انتهى من “التمهيد” (21 / 55).
وهذا الخطاب كما هو موجه للمرأة ، موجه أيضا لوليها، فإن عليه أن يقوم بواجبه تجاه محارمه.
قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَالتحريم/6.
وهذه الأمر سيحاسب عليه الرجل إن أخل به.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ رواه البخاري (5200) ، ومسلم (1829).
فمن ولاية الرجل على المرأة أن يمنعها من السفر بلا محرم .
وليس معنى ذلك أن يتحكم المحرم فيها ويضيع عليها مصالحها وحاجاتها ، بل يؤمر المحرم – إذا لم يكن له عذر – أن يسافر مع المرأة ، فإنه ليس من الشهامة ولا المروءة ، أن يمتنع المحرم من السفر بلا عذر ، ويوقع المرأة بين خيارين أحلاهما مُرٌّ ، فإما أن تقعد وتضيع مصالحها ، وإما أن تسافر بلا محرم .
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا بترك عمل عظيم وهو الجهاد من أجل مصاحبة زوجته في سفر الحج.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ .
فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً.
قَالَ: اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ رواه البخاري (3006) ، ومسلم (1341).
وبعيدا عن اختلاف العلماء في ذلك الأمر : هل هو للوجوب أو الاستحباب ؟
فإن ذلك هو الذي ينبغي له فعله بلا شك ، وهو الذي تقتضيه المروءة والشهامة في مثل تلك الحال ، لا سيما مع عدم المؤونة المادية عليه ، وتحمل المرأة لتلك الكلفة .
ثم هو مقتضى ولايته على المرأة وقوامته عليه ، فإن من معاني ذلك أن يقوم بمصالحها ويقضي لها حاجاتها بقدر استطاعته ، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا البقرة/286 .
وليتذكر المسلم أن في سفره مع محارمه -لحاجة مشروعة لهن وإن لم تكن واجبة- هو من الأعمال الفاضلة التي توعد الله عليها بالأجر والمثوبة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ رواه مسلم (2699).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب