كيف تحل البركة على كل ما أملكه من مال وأهل ونفسي وغير ذلك ؟
كيف تستجلب البركة؟
السؤال: 266249
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
البركة نعمة من نعم الله تعالى؛ ونعم الله تعالى إنما تستجلب وتحفظ بأمور أربعة:
الأمر الأول:
بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بفعل المأمورات واجتناب المنهيات والمسارعة بالتوبة والاستغفار ، إن حديث تقصير في الواجبات أو ملابسة لشيء من المحرمات.
قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ الأعراف /96.
وقال الله تعالى عن دعوة نبيه نوح عليه السلام:
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا نوح /10 – 12.
وقال الله تعالى عن دعوة نبيه هود عليه السلام: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ ، يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ، وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ هود/50 – 52.
وقال الله تعالى عن أهل الكتاب: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ المائدة/66.
ومن أعظم أعمال التقوى التي تسجلب بها البركة : صلة الرحم ، وعدم قطعها :
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ رواه البخاري (2067) ، ومسلم (2557).
وكذا اجتناب المحرمات في المعاملات مع الناس ، كالغش والربا وسائر المناهي.
قال الله تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ البقرة /276.
قال الشيخ المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
” قوله تعالى: ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا )، صرح في هذه الآية الكريمة بأنه يمحق الربا أي: يذهبه بالكلية من يد صاحبه، أو يحرمه بركة ماله ، فلا ينتفع به كما قاله ابن كثير وغيره ” انتهى، من “أضواء البيان” (1 / 270).
وعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، – أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا – فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا رواه البخاري (2079) ، ومسلم (1532).
الأمر الثاني:
البركة تستجلب بشكر الله تعالى على نعمه ، قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ إبراهيم /7.
والشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح.
وشكر القلب يكون بالاعتراف بأن النعم هي محض فضل الله تعالى، وألا يلتفت قلبه إلى غيره كما كان حال أهل الجاهلية والكفر من نسبة النعم إلى غير الخالق سبحانه وتعالى، كما وصفهم الله تعالى:
يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ النحل/83.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:” ( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا ) أي: يعرفون أن الله تعالى هو المسدي إليهم ذلك، وهو المتفضل به عليهم، ومع هذا ينكرون ذلك، ويعبدون معه غيره، ويسندون النصر والرزق إلى غيره ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (4 / 592).
ويكون الشكر باللسان:
بنسبة هذه النعم إلى الخالق سبحانه وتعالى وحمده تعالى على هذه النعم، وألا يفتخر الشخص بحيلته وذكاءه وقوته ونحو هذا فإن هذه كلها نعم من الله تعالى.
وأما الشكر بالجوارح: فهو بعدم استعمال هذه النعم فيما حرّمه الله تعالى.
ومن هذا الشكر بالجوارح أن يحسن إلى غيره كما أحسن الله تعالى إليه؛ فالإحسان إلى الغير طريق إلى جلب المزيد من احسان الله تعالى؛ قال الله تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ الرحمن/60.
الأمر الثالث:
التأسي بآداب الإسلام عند استعمال شيء من هذه النعم، كالتسمية عند الطعام والشراب ودخول البيت ونحو هذا.
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ، فَذَكَرَ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لَا مَبِيتَ لَكُمْ، وَلَا عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ، فَلَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ رواه مسلم (2018).
وكالاجتماع على الأكل وعدم التفرق، وكذا عدم التبذير في المآكل والمشارب ونحو هذا، فيكون الإنفاق على حسب الحاجة من غير إفراط ولا تفريط.
قال الله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ، وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ، وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا الإسراء/26 – 29.
فليحرص المسلم على تتبع سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما علّمه أمته من الآداب في التعامل مع النفس ومع الأهل ومع المال.
ومن أنفع الكتب في هذا الباب وأسهلها تناولا، كتاب “رياض الصالحين” للإمام النووي رحمه الله تعالى.
الأمر الرابع:
التحصّن بالأدعية والأذكار المسنونة.
فيواظب المسلم على أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم وسائر أنواع الاذكار التي أرشد إليها الشرع.
ومن أنفع الكتب في معرفة الأذكار والأدعية المسنونة التي يحصّن بها المسلم نفسه وأهله وماله، كتاب “حِصن المسلم من أذكار الكتاب والسّنة” للشيخ سعيد بن على بن وهف القحطاني.
فجماع الأمر؛ أن المسلم يحصّل البركة بالتقوى، وهي ترك المنهيات وفعل ما يستطيعه من المأمورات وبالتوبة والاستغفار، والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال.
وينظر للفائدة ، هذه المادة عن : “أسباب البركة في حياة المسلم”
وأيضا ، عن استجلاب البركة :
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لهذا الأمر وييسره لنا.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب