رجل يقرض أشخاصا مالا ، وفي أغلب الأحيان يقرضهم في صورة شراء طعام لهم ، وهو يملك سيارة فيذهب لكي يشتري لهم بذلك المال الذي أقرضهم طعاما ، فيحسب عليهم زيادة على ما أقرضهم إيجار سيارته مع علمهم بذلك ، فما الحكم في المسألة ؟
الجمع بين القرض والإجارة
السؤال: 267637
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا يجوز الجمع بين القرض والإجارة ، لأنه إما حيلة على ارتكاب الربا ، وإما ذريعة للوقوع في الربا ، والشرع يحرم طرق الاحتيال على ارتكاب الحرام ، ويحرم الذرائع الموصلة إليه .
ووجه الحيلة أو الذريعة هنا : أن أجرة السيارة قد تكون خمسين ، فتجعلها أنت ستين ، ويرضى بذلك المقترض من أجل القرض ، فتكون هذه العشرة زيادة من أجل القرض ، وهذا هو الربا .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحل سلف وبيع ) . رواه أبو داود (3504) والترمذى (1234) وحسنه الألباني في ” إرواء الغليل ” (1307) .
قال ابن القيم في “إعلام الموقعين” (5/18) : ” ومعلوم أنه لو أفرد أحدَهما عن الآخر صح ، وإنما ذاك لأن اقتران أحدهما بالآخر ذريعة إلى أن يُقْرِضه ألفًا ويبيعه سلعة تساوي ثمانمئة بألف أخرى ؛ فيكون قد أعطاه ألفًا وسلعة بثمانمئة ليأخذ منه ألفين، وهذا هو معنى الربا ” انتهى .
والجمع بين القرض والإجارة داخل تحت هذا النهي ؛ لأن الإجارة في معنى البيع .
قال الحطاب في “مواهب الجليل” (6/146) : ” كل عقد معاوضة لا يجوز أن يقارنه السلف ” .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” فإذا جمع بين سلف وإجارة : فهو جمع بين سلف وبيع ، أو مثله ، وكل تبرع يجمعه إلى البيع والإجارة – مثل الهبة والعارية والعرية والمحاباة في المساقاة والمزارعة وغير ذلك – هي مثل القرض .
فجماع معنى الحديث : أن لا يجمع بين معاوضة وتبرع ؛ لأن ذلك التبرع إنما كان لأجل المعاوضة ، لا تبرعا مطلقا ، فيصير جزءا من العوض ، فإذا اتفقا على أنه ليس بعوض ، جمعا بين أمرين متنافيين .
فإن من أقرض رجلا ألف درهم ، وباعه سلعة تساوي خمسمائة بألف = لم يرض بالإقراض إلا بالثمن الزائد للسلعة ، والمشتري لم يرض ببذل ذلك الثمن الزائد إلا لأجل الألف التي اقترضها ، فلا هذا باع بيعا بألف ، ولا هذا أقرض قرضا محضا ، بل الحقيقة: أنه أعطاه الألف والسلعة بألفين ” انتهى ، من ” مجموع الفتاوى ” (29/62).
وقال أيضا : ” وقد اتفق العلماء على أن المقرض ، متى اشترط زيادة على قرضه : كان ذلك حراما ، وكذلك إذا تواطآ على ذلك في أصح قولي العلماء ..
وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين السلف والبيع؛ لأنه إذا أقرضه وباعه: حاباه في البيع لأجل القرض ، وكذلك إذا آجره ” انتهى ، من ” مجموع الفتاوى ” (29/334).
قال ابن القيم رحمه الله في “إعلام الموقعين” (5/184): ” فإن الشارع لمْ يشرع القَرْضَ إلا لمن قصد أن يسترجع مثل قرضه، ولم يشرعه لمن قصد أن يأخذ أكثر منه ، لا بحيلةٍ ولا بغيرها ” انتهى .
وجاء في ” المعايير الشرعية ” ص 523 : ” لا يجوز اشتراط عقد البيع والإجارة ونحوهما في عقد القرض ” .
وجاء فيها أيضا ص 660 في ضوابط جواز الجمع بين العقود : ألا يكون ذلك محل نهي في نص شرعي ، كالنهي عن البيع والسلف .. وألا يكون ذريعة إلى الربا ، مثل الجمع بين القرض والمعاوضة .. ” انتهى .
وقال الدكتور عبد الله بن محمد العمراني :
” يتبين أن مجرد اشتراط عقد البيع ونحوه من عقود المعاوضات في عقد القرض : محرم ؛ لورود النص به بسبب كونه ذريعة إلى القرض الربوي ، مع أن المنفعة احتمالية ، ومتوقعة ، وذلك أنه ربما يزاد في الثمن، وقد لا يزاد ، ولكن الغالب أن يزاد ، وهذا مما يكثر القصد إليه عند من يتعاقد بهذه الصفة .
أما لو اتفق المقرض مع المقترض على أن يؤجره داره مثلا بأقل من أجرتها ، أو على أن يستأجر المقترض دار المقرض بأكثر من أجرتها : فهو أبلغ في التحريم ” .
بحث “أحكام القرض وتطبيقاته” ضمن “دراسات المعايير الشرعية” (2/1140).
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب