أانا صيدلي ، أمتلك صيدلية ، وعاهدت الله أن أجعل نصف أرباحي لله صدقة ، علي أن يحفظ الله لي صيدلية ، وتزيد أرباحي ، والحمد لله زادت الأرباح ، ولكنها في صورة أدوية وبضاعة داخل الصيدلية ، والمال الذي يأتيني أسدد به مديونات الشركات ، ومرتبات العمال ، وأصرف به علي نفسي وأهل بيتي ، ولذلك فأنا أتصدق في بعض الشهور ، وأعجز عن بعض الشهور لعدم وجود المال ، مع أن الأرباح زادت وـ لله الحمد ـ ، ولكن في صورة أدوية وبضاعة لحين بيعها ، وهذا يتوقف علي معدل المبيعات الشهرية الذى يزيد وينقص علي حسب حالة السوق ، أخاف أن أدخل في قوله تعالي :( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ) الآية ، أفتونى ما العمل ؟ وما القول الفصل ، وما المخرج ؟
عاهد الله على التصدق بنصف أرباحه ، ولا يتوفر عنده سيولة فماذا يفعل ؟
السؤال: 268194
ملخص الجواب
ملخص الجواب : عدم توفر السيولة ليس مانعا من الوفاء بالنذر ؛ إذ يمكنك التصدق بالأدوية للمحتاجين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الإجابة
أولا: العهد المذكور يجري مجرى نذر الصدقة ، وقد علقته على حصول الربح ، بمعنى أنك ألزمت نفسك في حال حصول الربح أن تتصدق بنصفه ، فيلزمك التصدق بما عاهدت ربك عليه عند حصول الربح .
جاء في الموسوعة الكويتية (40/146) في الكلام على أنواع “نذر الطاعة” وأحكامه:
” أولا: نذر العبادات المقصودة :
يقصد بهذه العبادات : ما شرعت للتقرب بها إلى الله تعالى مما له أصل في الوجوب بالشرع ، كالصلاة والصيام والحج والاعتكاف والصدقة ونحوها . فمن نذر أيًّا من هذه العبادات مطلقًا ، أو معلقًا على شرطٍ ، لزمه الوفاء به بإجماع أهل العلم كما نقله النووي وابن قدامة ، أو في مقابل نعمة استجلبها ، أو نقمة استدفعها ” انتهى.
وجاء في الموسوعة الكويتية (40/127):
” لا خلاف بين الفقهاء في صحة النذر في الجملة ، ووجوب الوفاء بما كان طاعة منه .
وقد استدلوا على ذلك بالكتاب والسنة والإجماع .
أما الكتاب الكريم فبآيات ؛ منها قوله تعالى: ( وليوفوا نذورهم ) ومنها ما قاله سبحانه في شأن الأبرار: ( يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ) ، وما قاله جل شأنه: ( ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) [التوبة/75-77].
وأما السنة النبوية المطهرة فبأحاديث ؛ منها ما ورد عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه).. ” انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية التوبة:
“يقول تعالى: ومن المنافقين من أعطى الله عهده وميثاقه : لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله ، وليكونن من الصالحين . فما وفى بما قال ، ولا صدق فيما ادعى ، فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقون الله -عز وجل- يوم القيامة ، عياذا بالله من ذلك ” انتهى، من “تفسير القرآن العظيم” (4/183).
وقال أبو بكر الجصاص في “أحكام القرآن” (3/208) عن هذه الآية :
“فِيهِ الدَّلالَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِيهِ قُرْبَةٌ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ ; لأَنَّ الْعَهْدَ هُوَ النَّذْرُ وَالإِيجَابُ” انتهى .
ثانيا:
إذا كانت نيتك إخراج هذه الصدقة كل شهر ، فيلزمك إخراجها على ما نويت عند حصول الربح في ذلك الشهر ، فإن عجزت عن إخراجها بسبب الالتزامات العارضة ، وعدم توفر السيولة ، وصعوبة إجراء المحاسبة ، فلا بأس بتأخيره إلى حين القدرة عليه .
ينظر جواب السؤال (170084).
وإن كانت نيتك إخراج نصف ربح الصيدلية السنوي ، فلا يلزمك إخراجها في كل شهر ، فإذا حصل ربح ولكن لم تتوفر السيولة عند التصفية السنوية ، فلا بأس أن تخرج مقدار الربح أدوية توزعها على المستحقين .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : لقد نذرت إن توظفت أن أدفع مبلغ (600) ريال كفالة يتيم عن والدي ووالدتي ، وذلك في كل شهر ، وبعد ذلك كفلت يتيماً واحداً لمدة سنة ونصف بواقع (2400) سنوياً ، ثم انقطعت لظروف مالية ، والآن وبعد انقطاعي وعزمي مرة أخرى على كفالة يتيم حسب المبلغ المتراكم فوجدته (25000) ريالاً .
فسؤالي لسماحتكم : ماذا علي أن أفعل ؟
فأجابوا : “يجب عليك الوفاء بنذرك ؛ لأنه نذر طاعة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من نذر أن يطيع الله فليطعه) ، وعليك قضاء المبلغ عن الأشهر التي لم تخرجي عنها شيئا ؛ لأنها واجبة عليك بالنذر ، تقبل الله منك ، وأخلف عليك ما هو أكثر وأنفع ، وقد قال الله سبحانه: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) .
ونوصيك مستقبلاً بعدم النذر ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تنذروا ؛ فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا ، وإنما يستخرج به من البخيل) متفق على صحته” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (23/342) .
على أننا ننبهك إلى أنه في حال عدم توفر سيولة ، وكانت الأرباح عبارة عن رصيد أدوية في الصيدلية ، فبإمكانك أن تخرج قيمة نذرك من أدوية الصيدلية ، وتخرجه للفقراء والمحتاجين ، وما أكثرهم ، وما أحوجهم ؛ ويكون ذلك بحسب حاجتهم هم من هذه الأدوية ، لا بحسب ما تختاره أنت من أدوية كاسدة ، أو نحو ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك ، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز ، وعند أبي حنيفة يجوز ، وأحمد رحمه الله قد منع القيمة في مواضع ، وجوزها في مواضع ، فمن أصحابه من أقر النص ، ومنهم من جعلها على روايتين . والأظهر في هذا : أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه” .. إلى أن قال رحمه الله :
” وأما إخراج القيمة للحاجة ، أو المصلحة ، أو العدل فلا بأس به ، مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم ، فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه ، ولا يكلف أن يشتري ثمرا أو حنطة إذا كان قد ساوى الفقراء بنفسه ، وقد نص أحمد على جواز ذلك.. ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها ” انتهى من “مجموع الفتاوى” ( 25/82).
وينظر جواب السؤال (138314).
والحاصل : أن عدم توفر السيولة ليس مانعا من الوفاء بالنذر ؛ إذ يمكنك التصدق بالأدوية للمحتاجين .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة