0 / 0

لا يسن الحمد مع التسمية قبل الأكل أو الشرب .

السؤال: 269137

من السنة المهجورة قول : الحمد لله قـبـل الأكـل ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : أعطيت النبي صلى الله عليه وسلم القدح فحمد الله وسمّى رواه البخاري (6087)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ومن فوائد الحمد :
أن الإنسان إذا ابتدأ الشيء بحمد الله فإن الله تعالى يجعل فـيه الـبـركـة انتهى من شرح رياض الصالحين (٥/٤) .
هذا المنشور انتشر على موقع الفيس بوك ، فهل هذه سنة نأخذها عن النبي عليه الصلاة والسلام ؟ أم أن الحديث مأخوذ من موقف للرسول مع أبي هريرة ولا تكون سنة ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

المسنون قبل الأكل أو الشرب هو التسمية ، وليس الحمد ، فحمد الله تعالى قبل الأكل ليس سنة، وإنما يكون الحمد بعد الأكل .

ثانيا :

ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بلبن فحمد الله وسمى وشرب .

لكن لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية الحمد قبل الأكل أو الشرب ؛ لأن سياق الحديث يدل على أن حمده صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف: لم يكن لابتداء الشرب ، وإنما كان لما وضعه الله عز وجل من البركة في ذلك الإناء ؛ حتى ارتوى أصحاب الصّفة رضي الله عنهم وشربوا ، ولم ينفد .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بيته ” فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ ؟ قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةٌ ، قَالَ: أَبَا هِرٍّ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي ، قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ ، لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا ، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا ، فَسَاءَنِي ذَلِكَ فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ ، كُنْتُ أَحَقَّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا ، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدٌّ!! فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ ، فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا ، فَأَذِنَ لَهُمْ ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ ، قَالَ: يَا أَبَا هِرٍّ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: خُذْ فَأَعْطِهِمْ ، قَالَ: فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ .

حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ ، فَقَالَ: أَبَا هِرٍّ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ !!

قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: اقْعُدْ فَاشْرَبْ ، فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ ، فَقَالَ: اشْرَبْ ، فَشَرِبْتُ ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: اشْرَبْ ، حَتَّى قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا !!

قَالَ: فَأَرِنِي ، فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ ، فَحَمِدَ اللهَ ، وَسَمَّى ، وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ ” رواه البخاري (6246) .

قال الحافظ ابن حجر :

” قَوْلُهُ : ( فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى ) ؛ أَيْ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنَ الْبَرَكَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي اللَّبَنِ الْمَذْكُورِ مَعَ قِلَّتِهِ ، حَتَّى رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ ، وَأَفْضَلُوا ” انتهى من “فتح الباري” (11/288) .

وقال بدر الدين العيني :

” قوله (فحمد الله وسمى) أما “الحمد” فلحصول البركة فيه ، وأما “التسمية” فلإقامة السنة عند الشرب” انتهى من “عمدة القاري” (23/60)

وقال القسطلاني : “فحمد الله” عز وجل على البركة وظهور المعجزة في اللبن المذكور ، حيث روي القوم كلهم ، وأفضلوا” انتهى من “إرشاد الساري” (9/263) .

وقال في “الكوثر الجاري” (10/146) :

” (فحمد الله) قبل الشرب فشكر الله على هذه المعجزة الباهرة ” انتهى .

ثالثا :

ما انتشر بين الناس من نسبة استحباب البدء بحمد الله مع التسمية عند الأكل أو الشرب للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، فهو خطأ على الشيخ رحمه الله ، وتنزيل لكلامه في غير موضعه .

فلم يكن هذا النص المنقول عنه شرحا لحديث ” فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ ، فَحَمِدَ اللهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ ” كما أوهمه كاتبه . لأن الشيخ رحمه الله ، قد بين في شرح قصة أبي هريرة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، أن ذلك الحمد لم يكن لابتداء الشرب، فقال :

” وهذا الحمد ليس حمدا على شربه ، بل هو حمد على ما حصل من بركة هذا اللبن ، حيث أروى أهل الصفة وأبا هريرة ، وبقي منه بقية ، وذلك أن الحمد على الأكل أو الشرب إنما يكون بعده” انتهى من “شرح البخاري” من “كتاب الرقاق – باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا” .

وأما نص كلامه في شأن الحمد ، في أول الأمور ، فمختلف عما قاله الناقل هنا ، تماما .

قال رحمه الله في شرحه لحديث كُلُّ أمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ للهِ فَهُوَ أَقْطَعُ ، ونحوه من أحاديث باب الحمد والشكر :

” ومن فوائد الحمد : أن الإنسان إذا ابتدأ الشيء بحمد الله ، فإن الله تعالى يجعل فيه البركة ؛ إذا ابتدأه بحمد الله : جعل الله فيه البركة .

يعني : أراد أن يؤلف كتابا ، أو يتكلم في كلام خطبة ، أو غير ذلك ؛ إذا حمد الله : جعل الله فيه البركة .

وكل أمر لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع ، يعني منزوع البركة .

لكن قد ينوب عن الحمد غيره ، كالبسملة مثلا ؛ البسملة أيضا : يبارك الله فيها بأشياء كثيرة .

منها : أن الإنسان إذا ذبح الذبيحة ، إن قال بسم الله : حلت الذبيحة ، وكانت طيبة ، وإن قال الحمد لله لم تحل الذبيحة ، لأن الذبيحة لا تحل إلا بالبسملة ، وإذا قال عند الذبح الله أكبر ولم يقل بسم الله : لم تحل الذبيحة .

فكل أمر يبدأ فيه بالحمد لله فهو خير وبركة ؛ لكن قد ينوب عن الحمد ما سواه ، كالبسملة عند الأكل والشرب والذبح والوضوء وإتيان الرجل أهله … ” . انتهى، من “شرح رياض الصالحين” (5/462-463) .

فكلام الشيخ هنا في غاية الوضوح : أن ما جاءت السنة بالبدء فيه بالتسمية ، إنما تحصل البركة بالتسمية في أوله ، وأن هذه التسمية تغني عن الحمد في أول ذلك الأمر  ، بحسب ما جاءت به السنة .

وأن من الأمور المهمة : ما لا يشرع الحمد في أوله أصلا ، ولا تحصل به السنة ولا البركة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android