متى لا تقبل إلا شهادة الرجال ؟ ومتى لا تقبل إلا شهادة النساء ؟ ومتى تقدم شهادة الرجل على المرأة ؟ ومتى تقدم شهادة المرأة على الرجل ؟ ومتى تستوي شهادة الرجل والمرأة ، مع بيان المذاهب في ذلك ؟
يسأل عن أحوال شهادة المرأة ومتى تقبل شهادتها ومتى لا تقبل ؟
السؤال: 269647
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الجواب :
أولا :
يمكن تقسيم الشهادات إلى ثلاثة أنواع :
الأول : ما يقبل فيه أربعة شهود ليس بينهم امرأة، وهو حد الزنا ؛ لقوله تعالى (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ ) النساء : 15 .
قال ابن قدامة رحمه الله :
“وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بِحَالٍ . وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ، إلَّا شَيْئًا يُرْوَى عَنْ عَطَاءٍ وَحَمَّادٍ : أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ وَامْرَأَتَانِ . وَهُوَ شُذُوذٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَرْبَعَةِ اسْمٌ لِعَدَدِ الْمَذْكُورِينَ، وَيَقْتَضِي أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَرْبَعَةٍ ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَرْبَعَةَ إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ نِسَاءً لَا يُكْتَفَى بِهِمْ ، وَإِنَّ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ خَمْسَةٌ ، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ .
وَلِأَنَّ فِي شَهَادَتِهِنَّ شُبْهَةً ؛ لِتَطَرُّقِ الضَّلَالِ إلَيْهِنَّ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ) وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ” انتهى من ” المغني ” (9/69) .
الثاني :
ما يقبل فيه شاهدان ، ليس منهما امرأة ، وهو ما سوى الزنى من الحدود والقصاص ، كالقطع في السرقة ، وحد الحرابة (قطع الطريق) ، والجلد في الخمر ، وهذا باتفاق الأئمة الأربعة ؛ وخالفهم الظاهرية .
ينظر “الموسوعة الفقهية الكويتية” (26/226) .
الثالث :
ما يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين .
وقصره جمهور أهل على العلم على المال ، وما كان فيه معنى المالية : كالبيع ، والإقالة ، والحوالة ، والضمان ، والحقوق المالية ، كالخيار ، والأجل ، وغير ذلك .
وأما يطلع عليه الرجال غالبا ، مما ليس بمال ولا يقصد منه مال ، كالردة ، والجرح ، والتعديل ، والموت ، والإعسار ، والوكالة ، والوصاية ، ونحو ذلك ، فإنه لا يثبت عند جمهور أهل العلم إلا بشاهدين لا امرأة فيهما .
وأجاز الحنفية شهادة رجل وامرأتين في الأموال وغيرها ، من النكاح والطلاق والعتاق والوكالة والوصاية ، واختار قولهم الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، وقال :
“الله تعالى ذكر العلة في اشتراط العدد في النساء ، وهي ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ) ، ولم يذكر أن العلة المال، بل العلة أن تقوى المرأة بالمرأة فتذكِّرَها إذا نسيت، وهذا يكون في الشهادة في الأموال ، وفي غير الأموال، إلا ما سُلِكَ فيه طريق الاحتياط، ويكون كذلك في المرأة معها رجل ، أو ليس معها رجل، وهذا القول هو الراجح” انتهى من “الشرح الممتع” (15/453) .
ثانيا :
هناك حالات لا يطلع عليها إلا النساء غالبا ، فتقبل شهادتهن فيها ، ولو انفردت بها إحداهن ، وقد اتفق الفقهاء على قبول شهادة النساء في هذه الحالات في الجملة ، بغض النظر عن بعض الاختلاف في مسائل معينة ، كالرضاع والولادة مثلا .
قال ابن قدامة رحمه الله :
” لَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ فِي الْجُمْلَةِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَاَلَّذِي تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَتُهُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ : خَمْسَةُ أَشْيَاءَ :
الْوِلَادَةُ، وَالِاسْتِهْلَالُ، وَالرَّضَاعُ، وَالْعُيُوبُ تَحْتَ الثِّيَابِ ، كَالرَّتَقِ وَالْقَرَنِ وَالْبَكَارَةِ وَالثِّيَابَةِ وَالْبَرَصِ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ عَلَى الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ مَحَارِمُ الْمَرْأَةِ مِنْ الرِّجَالِ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِالنِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ، كَالنِّكَاحِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: تَزَوَّجْت أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ، فَأَتَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا كَاذِبَةٌ. قَالَ: (كَيْفَ، وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى عَوْرَةٍ ، لِلنِّسَاءِ فِيهَا مَدْخَلٌ ؛ فَقُبِلَ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ، كَالْوِلَادَةِ .
وَتُخَالِفُ الْعَقْدَ ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةِ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، أَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ لَا تُقْبَلُ فِي الِاسْتِهْلَالِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ.
وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ حَالَ الْوِلَادَةِ، فَيَتَعَذَّرُ حُضُورُ الرِّجَالِ، فَأَشْبَهَ الْوِلَادَةَ نَفْسَهَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا فِي الِاسْتِهْلَالِ. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. إلَّا أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ.
وَأَجَازَهُ شُرَيْحٌ، وَالْحَسَنُ، وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَحَمَّادٌ” انتهى من “المغني” (10/137) .
ثالثا :
ما تقبل فيه شهادة النساء وحدهن ، تقبل فيه أيضا شهادة الرجال ؛ لأن الرجال أعلى حالا في الشهادة من النساء ، فما قبل فيه شهادتهن منفردات ، فقبول شهادة الرجل فيه أولى .
قال ابن قدامة :
” فَإِنْ شَهِدَ الرَّجُلُ بِذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْمَرْأَةِ، فَإِذَا اُكْتُفِيَ بِهَا وَحْدَهَا، فَلَأَنْ يُكْتَفَى بِهِ أَوْلَى .
وَلِأَنَّ مَا قُبِلَ فِيهِ قَوْلُ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ، قُبُلِ فِيهِ قَوْلُ الرَّجُلِ، كَالرِّوَايَةِ ” انتهى من “المغني” (10/138) .
رابعا :
وأما الفرق بين الشهادة والرواية فقد سبق ذكر ذلك في جواب السؤال رقم (145288) .
والله أعلم .
التصنيف : الشهادات .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب