أنا مسلم ملتزم ، وأسلمت قبل فترة طويلة ، تم التحرش بي جنسياً وأنا طفل ، وأصبحت الآن أُثار غريزيّاً للرجال والنساء ، وهذا شيء أجده في نفسي ، لا أدري كيف أتخلص منه .
أنا لا أفعل المعصية دائماً ولكنني أفعلها أحياناً وأندم على فعلها لأن الله لا يحب هذا الانحراف الجنسي ، والمشكلة أنني لا أستطيع و لم أستطع أن أساعد نفسي ، حاولت كثيراً أن أتغير ولكن دون فائدة ، طلبت من الله المعونة واعترفت لبعض المسلمين لكي يساعدوني وذهبت للطبيب النفسي .
أحب الله وأحب دينه وتصرفاتي تعكس هذا الحب ، ودائماً أحاول التقرب لله ، حيث إنني وقعت في هذا المرض ، فقد عرفت لماذا أمرت الشريعة بقتل اللوطي ، جميع أصدقائي مسلمون ومتمسكون بالدين ، ولكن الشيطان قد يحاول أن يدمر إيماني أنا وأصدقائي ، أرجو أن تساعدني وتخبرني بالحل ولو تكلف هذا ذهابي لأي مكان في العالم لأنني لا أريد أن أقترف هذا الذنب مرة أخرى ، ولا أريد أن أكون خطراً على أي شخص من عباد الله .
يريد التوبة من اللواط ويحتاج مساعدة
السؤال: 27176
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
سنتكلم معك في نقاط أربعة ولن نزيد عليها ، فنرجو منك الانتباه والقراءة بتمهل وتمعن ، وهذه النقاط الأربع هي : قبح وشناعة فاحشة اللواط ، والآثار المترتبة عليها من حيث المخاطر الصحية ، وبيان سعة رحمة الله للتائبين ، وطرق العلاج لمن ابتلي بهذه الفاحشة .
أما الأمر الأول :
وهو قبح وشناعة فاحشة اللواط :
فقد قال ابن القيم – عن قوم لوط – :
قال أصحاب القول الأول – وهم جمهور الأمة ، وحكاه غير واحد إجماعاً للصحابة – : ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط ، وهي تلي مفسدة الكفر ، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل – كما سنبينه إن شاء الله تعالى – .
قالوا : ولم يبتل الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوطٍ أحداً من العالمين ، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمَّة غيرهم ، وجمع عليهم أنواعاً من العقوبات : من الإهلاك ، وقلب ديارهم عليهم ، والخسف بهم ، ورجمهم بالحجارة من السماء ، وطمس أعينهم ، وعذَّبهم ، وجعل عذابهم مستمراً ، فنكل بهم نكالاً لم ينكله بأمَّة سواهم ، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة ، التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها ، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شهدوها خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم ، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى ، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها .
وقتْل المفعول به خيرٌ له من وطئه ، فإنه إذا وطأه الرجل قتله قتلا لا تُرجي الحياة معه ، بخلاف قتله فإنه مظلوم شهيد ، وربما ينتفع به في آخرته .
وقال :
وأطبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتله ، لم يختلف منهم فيه رجلان ، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله ، فظنَّ بعض الناس ذلك اختلافاً منهم في قتله ، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابة ، وهي بينهم مسألة إجماع .
ومن تأمل قوله سبحانه ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشةً وساء سبيلاً الإسراء / 32 وقوله في اللواط : أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين الأعراف / 80 ، تبين له تفاوت ما بينهما ؛ فانه سبحانه نكَّر الفاحشة في الزنا ، أي : هو فاحشة من الفواحش ، وعرَّفها في اللواط ، وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة …
ثم أكد سبحانه شأن فحشها بأنها لم يعملها أحد من العالمين قبلهم فقال : ما سبقكم بها من أحد من العالمين ، ثم زاد في التأكيد بأن صرَّح بما تشمئز منه القلوب ، وتنبو عنها الأسماع ، وتنفر منه أشد النفور ، وهو إتيان الرجل رجلا مثله ينكحه كما ينكح الأنثى ، فقال : أئنكم لتأتون الرجال ، …
ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن اللوطية عكسوا فطرة الله التي فطر عليه الرجال ، وقلبوا الطبيعة التي ركَّبها الله في الذكور ، وهي شهوة النساء دون الذكور ، فقلبوا الأمر ، وعكسوا الفطرة والطبيعة فأتوا الرجال شهوة من دون النساء ، ولهذا قلب الله سبحانه عليهم ديارهم فجعل عاليها سافلها ، وكذلك قلبهم ، ونكسوا في العذاب على رؤوسهم .
ثم أكد سبحانه قبح ذلك بأن حكم عليهم بالإسراف وهو مجاوزة الحد ، فقال : بل أنتم قوم مسرفون .
فتأمل هل جاء ذلك – أو قريبٌ منه – في الزنا ، وأكد سبحانه ذلك عليهم بقوله ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث ، ثم أكَّد سبحانه عليهم الذم بوصفين في غاية القبح فقال : إنهم كانوا قوم سوء فاسقين الأنبياء / 74 ، وسماهم مفسدين في قول نبيهم فقال : رب انصرني على القوم المفسدين الأنبياء / 75 ، وسماهم ظالمين في قول الملائكة لإبراهيم عليه السلام : إنا مهلكو أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين العنكبوت / 31 .
فتأمل من عوقب بمثل هذه العقوبات ومن ذمه الله بمثل هذه الذمات .
وقال :
ذهبت اللذات ، وأعقبت الحسرات ، وانقضت الشهوات ، وأورثه الشقوات ، تمتعوا قليلاً ، وعُذبوا طويلاً ، رتعوا مرتعاً وخيماً ، فأعقبهم عذاباً أليماً ، أسكرتهم خمرة تلك الشهوات ، فما استفاقوا منها إلا في ديار المعذَّبين ، وأرقدتهم تلك الغفلة فما استيقظوا منها إلا وهم في منازل الهالكين ، فندموا والله أشد الندامة حين لا ينفع الندم ، وبكوا على ما أسلفوه بدل الدموع بالدم ، فلو رأيت الأعلى والأسفل من هذه الطائفة والنار تخرج من منافذ وجوههم وأبدانهم وهم بين إطباق الجحيم وهم يشربون بدل لذيذ الشراب كؤوس الحميم ، ويقال لهم وهم على وجوههم يسحبون : " ذوقوا ما كنتم تكسبون " ، اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون الطور / 16 .
" الجواب الكافي " ( ص 240 – 245 ) مختصراً .
وأما الأمر الثاني :
فهو ما تسببه هذه الفاحشة من مضار صحيَّة :
قال الدكتور محمود حجازي في كتابه " الأمراض الجنسية و التناسلية " – وهو يشرح بعض المخاطر الصحية الناجمة عن ارتكاب اللواط – :
إن الأمراض التي تنتقل عن طريق الشذوذ الجنسي ( اللواط ) هي :
1. مرض الأيدز ، وهو مرض فقد المناعة المكتسبة الذي يؤدي عادة إلى الموت . 2. التهاب الكبد الفيروسي . 3. مرض الزهري . 4. مرض السيلان . 5. مرض الهربس . 6. التهابات الشرج الجرثومية . 7. مرض التيفوئيد . 8. مرض الأميبيا . 9. الديدان المعوية . 10. ثواليل الشرج . 11. مرض الجرب . 12. مرض قمل العانة . 13. فيروس السايتوميجالك الذي قد يؤدي إلى سرطان الشرج . 14. المرض الحبيبي اللمفاوي التناسلي .
ثالثاً :
ومما سبق يتبين عظم وقبح وشناعة هذه الفاحشة ، وما يترتب على فعلها من آثار ضارة ، ومع ذلك فالباب مفتوح لتوبة العاصين ، والله تعالى يفرح بتوبتهم .
وتأمل قول الله تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرَّم الله إلا بالحق ولا يزنون . ومن يفعل ذلك يلق أثاماً . يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً . إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً الفرقان / 68 – 70 .
وعند التأمل في قوله تعالى : فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات يتبين لك فضل الله العظيم .
وقد قال المفسرون هنا معنيين للتبديل :
الأول : تبديل الصفات السيئة بصفات حسنة كإبدالهم بالشرك إيماناً وبالزنا عفة وإحصاناً وبالكذب صدقاً وبالخيانة أمانة وهكذا .
والثاني : تبديل السيئات التي عملوها بحسنات يوم القيامة .
فالواجب عليك التوبة إلى الله توبة عظيمة ، واعلم أن رجوعك إليه سبحانه هو خير لك ولأهلك ولإخوانك وللمجتمع كافة .
واعلم أن الحياة قصيرة ، وأن الآخرة خير وأبقى ، ولا تنس أن الله تعالى أهلك قوم لوط بما لم يهلك بمثله أحداً من الأمم غيرهم .
رابعاً :
وأما العلاج لمن ابتلي بهذه المصيبة :
1- الابتعاد عن الأسباب التي تيسر لك الوقوع في هذه المعصية وتذكرك بها مثل :
– إطلاق البصر ، والنظر إلى النساء أو الشاشات .
– الخلوة بأحد من الرجال أو النساء .
2- اشغل نفسك دائماً بما ينفعك في دينك أو دنياك كما قال الله تعالى : ( فإذا فرغت فانصب ) فإذا فرغت من عمل في الدنيا فاجتهد في عمل من عمل الآخرة كذكر الله وتلاوة القرآن وطلب العلم وسماع الأشرطة النافعة …
وإذا فرغت من طاعة فابدأ بأخرى ، وإذا فرغت من عمل من أعمال الدنيا فابدأ في آخر … وهكذا ، لأن النفس أن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ، فلا تدع لنفسك فرصة أو وقت فراغ تفكر في هذه الفاحشة .
3- قارن بين ما تجده من لذة أثناء هذه الفاحشة ، وما يعقب ذلك من ندم وقلق وحيرة تدوم معك طويلاً ، ثم ما ينتظر فاعل هذه الفاحشة من عذاب في الآخرة ، فهل ترى أن هذه اللذة التي تنقضي بعد ساعة يقدمها عاقل على ما يعقبها من ندم وعذاب ، ويمكنك لتقوية القناعة بهذا الأمر والرضا به القراءة في كتاب ابن القيم ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) فقد ألفه رحمه الله لمن هم في مثل حالك – فرج الله عنا وعنك – .
4- العاقل لا يترك شيئاً يحبه إلا لمحبوب أعلى منه أو خشية مكروه . وهذه الفاحشة تفوت عليك نعيم الدنيا والآخرة ، ومحبة الله لك ، وتستحق بها غضب الله وعذابه ومقته .
فقارن بين ما يفوتك من خير ، وما يحصل لك من شر بسبب هذه الفاحشة ، والعاقل ينظر أي الأمرين يقدّم .
5- وأهم من ذلك كله : الدعاء والاستعانة بالله عز وجل أن يصرف عنك هذا السوء ، واغتنم أوقات الإجابة وأحوالها ، كالسجود ، وقبل التسليم من الصلاة ، وثلث الليل الآخر ، ووقت نزول المطر ، وفي السفر ، وفي الصيام ، وعند الإفطار من الصيام .
نسأل الله أن يلهمك رشدك ، وأن يتوب عليك ، ويجنبك سوء الأعمال والأخلاق .
والله تعالى أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب