دخلت في حوار مع أحد الأشخاص ، وادعى ذلك الشخص أن المسلمين الذين يتبعون التعاليم التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم يقولون بأن أي شخص غير مسلم فهو عرضة للسيف والقتل .أنا لا أصدق ادعاءه هذا ، ولكنني لست مسلماً ، وأعرف القليل عن الإسلام ، وليست لدي الاستطاعة لأرد بها ادعاء هذا الشخص ، فما هي تعاليم الإسلام في هذا الأمر ؟ وكيف أجيبه ؟ .
حوار مع بوذي عن الجهاد في الإسلام
السؤال: 27180
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
سؤالك لنا أيها الباحث عن الحقيقة يدل إن شاء الله على رغبة صادقة في معرفة الحقيقة ، لكن ألم تسأل نفسك قبل ذلك : لماذا أكتفي بهذا ” القليل ” الذي أعرفه عن الإسلام ؟ لماذا لا أتعرف صورة ذلك الدين كاملة من أهله ، وإن استلزم الأمر مني أن أسافر إليهم كما أسافر ، ويسافر الناس كثيرا لجمع المال أو للسياحة ، أو غير ذلك من الأغراض المادية ، وربما التافهة ؟!
إن القضية مصيرية ؛ أليس من الجائز أن تكون الحقيقة التي تهز قلبك ، وتقنع عقلك ، هي في هذا القدر الذي تجهله من هذا الدين ، أو في الصورة الكاملة الناصعة التي لم ترها ؟
والأمر بعد ذلك ، أيها الباحث عن الحقيقة ، جد خطير : إنها جنة أبدا ، أو نار أبدا !!
لكنك تحتاج مع تلك الرغبة الصادقة في معرفة الحقيقة إلى إرادة أصدق في اتباعها ، وقوة في نفسك على التزامها ، وإن خالفت ما كنت تعتاده من قبل .
ثم إنك حينما تسأل ذلك السؤال تبدو كالمريض الذي ينظر إلى مبضع الطبيب وحِدَّته ، وينسى الداء الذي يقتله ، ويلعن الكوّاء على حَرْقَته ، وينسى الجذام الذي يأكله ، وليس هذا شأن العاقلين !!
أفلا تعرفت أولا أهم بواعث الجهاد في الإسلام ، قبل أن تسأل عمن يستحق القتل ؟!
تلك البواعث التي اختصرها ربعي بن عامر وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ونقلوها لرستم قائد جيش الفرس في معركة القادسية ، وهو يسألهم واحدا بعد واحد ، في ثلاثة أيام متوالية ، قبل المعركة : ما الذي جاء بكم ؟ فيكون الجواب : ” الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام . . فأرسل رسوله بدينه إلى خلقه ، فمن قبله منا قبلنا منه ورجعنا عنه ، وتركناه وأرضه ، ومن أبى قاتلناه حتى نفضي [ يعني : ننتهي ] إلى الجنة أو الظفر [ أي : النصر ] ” .
والواقع الإنساني ، أمس واليوم وغدا ، يواجه هذا الدين …بعقبات العقائد المنحرفة والأفكار الباطلة ، . . وعقبات سياسية وعسكرية و اجتماعية واقتصادية وعنصرية ، … وتختلط هذه بتلك ، وتتفاعل معها بصورة معقدة شديدة التعقيد ، لينتج عنها في آخر الأمر موقف صارفٌ عن الإسلام جملة ، صاد للناس عن سبيله !!
وإذا كان ” البيان القولي” ، والحوار الجدلي ، بالتي هي أحسن ، إنما يواجهان العقائد والأفكار المنحرفة ، فإن ” الحركة الجهادية ” تواجه العقبات المادية الأخرى – وفي مقدمتها السلطان السياسي القائم على تلك العوامل المعقدة المتشابكة ، وتوجه ضرباتها للقوى السياسية والعسكرية التي تُعَبِّدُ الناسَ لغير الله . . – أي تحكمهم بغير شريعة الله وسلطانه – والتي تحول بينهم وبين الاستماع إلى هذا ” البيان” واعتناق تلك ” العقيدة ” ، بحرية لا يتعرض لها السلطان . وهما معا – البيان والحركة الجهادية – يواجهان الواقع البشري ” بجملته . بوسائل مكافئة لكل مكوناته . ” [ انظر : معالم في الطريق ، ص 59 وما بعدها ]
فتبين بذلك أن ( أصل القتال المشروع هو الجهاد ، ومقصوده أن يكون الدين لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ، فمن منع هذا قوتل باتفاق المسلمين ، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة ، كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والزمِن ونحوهم ، فلا يقتل عند جمهور العلماء ، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله … لأن القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله ، كما قال الله تعالى : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) البقرة/190
وقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه مَرَّ على امرأة مقتولة في بعض مغازيه ، قد وقف عليها الناس ، فقال : ( ما كانت هذه لتقاتل ) ، وبعث رجلاً إلى خالد بن الوليد – وكان أميراً على مقدمة الجيش – فقال له : قل له : لا تقتلوا ذرية ولا عسيفا ) ( وهو الأجير ) ولعل المراد إذا لم يكن معه سلاح . [ رواه أبو داود 2669 وقال الألباني : حسن صحيح ـ صحيح أبي داود 2324 ] …
وذلك أن الله تعالى أباح من قتل النفوس ما يحتاج إليه في صلاح الخلق ، كما قال تعالى :( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ ) البقرة/217 ، أي أن القتل وإن كان فيه شر وفساد ، ففي فتنة الكفار من الشر والفساد ما هو أكبر من منه ، فمن لم يمنع المسلمين من إقامة دين الله لم تكن مضرة كفره إلا على نفسه … ) اهـ. بتصرف يسير . [ السياسة الشرعية ، لابن تيمية 165-167] .
وهاهنا أمر جدير بأن ينتبه إليه ، وهو أن المحاربة والتعادي والتظالم نزعات قديمة في بني الإنسان ما دام للنفوس مطامع وأهواء ، وما دام في بني الإنسان خير وشر . يقول ابن خلدون :
( إن الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة منذ أن بدأ الله الخليقة ، وأصلها إرادة انتقام بعض البشر من بعض … وهي أمر طبيعي في البشر لا تخلو منه أمة ولا جيل .. )
وأين كان المسلمون من الحروب المفظعة التي وقعت بين مختلف الطوائف المسيحية قديما ، ثم ما لاقاه البروتستانت على أيدي الكاثوليك ؟!
ثم أين كان المسلمون من الحربين العالميتين ؟! وأين كانوا من هيروشيما وناجازاكي ؟!
لقد يحق لنا أن نقول مع الكونت هنري دي كاستري : ( الأقرب إلى الصواب أن يقال : إن مسالمة المسلمين ولين جانبهم كان السبب في سقوط دولتهم ) .
وصدق الله العظيم : ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) الحج/40 ولعلك حين تتدبر ذلك ، ثم تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلاسِلِ ) صحيح البخاري 3010، وقوله : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ ) البخاري 4557 ، يعني أنهم بحربهم لغيرهم ربما أسروا بعضهم ، أو خضع لسلطانهم آخرون ، ثم يتعرفون على الإسلام ، ويدخلون فيه ، وقد كانوا كارهين له أول الأمر …
لعلك حين تفعل ذلك أن تُقَبِّل يد الطبيب ، وإن بقي على جلدك أثر مبضعه …
والله الموفق .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب