هل يتعارض حد السرقة مع آية : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم ) حيث إن ضرر قطع يد السارق يكون أكبر من ضرر فعلته وهي السرقة .
حدّ السرقة هل يعارض قاعدة؛ أن العقوبة تكون بالمثل ؟
السؤال: 272424
ملخص الجواب
ملخص الجواب : حد السرقة لا يعارض المعاقبة بالمثل؛ لأنه ليس في مقابلة المال المسروق، وإنما هو عقوبة رادعة عن جريمة السرقة ، وما تجره من مفساد ومصائب على المجتمع ، وعلى السارق نفسه .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
لا علاقة بين الآية المذكورة ، وبين حد السرقة ، أصلا ؛ فضلا عن إن يتوهم أنها تعارضه !!
وكيف يتعارضان ، وكلاهما – حد السرقة ، والآية المذكورة – من عند الله اللطيف الخبير ، وكلاهما : تنزيل من حكيم حميد ؟!
قال تعالى : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) النساء/82؛ فدل على أن من أعظم براهين القرآن ، ودلائل صدقه : أنه يصدق بعضه بعضا ، لا اختلاف فيه ، ولا تناقض ولا اضطراب ؛ فذاك إنما يكون في أقوال العباد ، وأحوالهم ، وأما كلام رب العالمين ، العليم الخبير : فهو منزه عن ذلك كله ، وحاشاه !!
وبيان ذلك : أن هذه الآية الكريمة وما كان مثلها ، كقوله تعالى : (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم) البقرة/194 ، إنما تتحدث عن حقوق العباد ، فمن اعتدى على أحد ، فقد شرع الله للمعتدي عليه أن يقتص لنفسه ، ويأخذ حقه ، بشرط ألا يزيد عما أصابه ، وإنما له – فقط – أن يعاقب المعتدي ، بمثل ما فعل ، وهذا هو القصاص .
فإن تعذر القصاص ، أو تنازل عنه صاحب الحق : فإننا ننتقل إلى العقوبة الشرعية الأخرى ، إما الدية ، وإما التعزير ، بتفاصيل وشروط معروفة في موضعها .
أما حقوق الله تعالى فإن لها أحكاما أخرى .
وإذا نظرنا إلى جريمة السرقة فإنها يتعلق بها أمران :
حق للعبد ، الذي هو صاحب المال ، وحق لله تعالى .
أما حق العبد فهو الذي يجب فيه المماثلة فإنه يطالب السارق بماله الذي سرقه ، فإن كان السارق أتلفه فإنه يطالبه بمثله ، وهذا هو التماثل فيما يتعلق بحق العبد هنا .
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
” لا يختلف أهل العلم في وجوب رد العين المسروقة على مالكها إذا كانت باقية.
فأما إن كانت تالفة، فعلى السارق رد قيمتها، أو مثلها إن كانت مثلية، قطع أو لم يقطع، موسرا كان أو معسرا. وهذا قول الحسن، والنخعي، وحماد، والبتي، والليث، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور…
لأنها عين يجب ضمانها بالرد لو كانت باقية، فيجب ضمانها إذا كانت تالفة، كما لو لم يقطع؛ ولأن القطع والغرم حقان يجبان لمستحقين، فجاز اجتماعهما، كالجزاء والقيمة في الصيد الحرمي المملوك ” انتهى، من “المغني” (12 / 454).
وأما حق الله ، جل جلاله ، وما حده لعباده : فذاك الذي لا يشركه فيه أحد من خلقه ، جل جلاله ، له الخلق وحده ، وله الأمر وحده ، وله الحكم وحده ، وإليه يرجع الأمر كله .
قال تعالى : ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) هود/123
وقال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) الأعراف/54
وقال تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) النساء/65
ولا يخفى ما في جريمة السرقة : من تضييع لحقوق العباد ، وإخلال بالأمن ، أمن الناس على أنفسهم ، وأموالهم ، وفساد المجتمعات ..
وقد رتب الله تعالى على هذه الجريمة ، من العقوبة ما يعلم سبحانه أنه محقق للمصلحة ، دافع للمفسدة على وجه الكمال ، ولا أحد أعلم من الله ، ولا أحد أحكم من الله .
قال الله تعالى : ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) المائدة /38.
فكانت تلك العقوبة وهو قطع يد السارق – إن توفرت شروطها – مناسبة تمام المناسبة لجريمته ، أيقن بذلك المؤمنون ، وشك وارتاب في ذلك غيرهم .
وليست هذه العقوبة في مقابلة المال المسروق ، كما توهم السائل ، حتى يشترط التماثل؛ وإنما هي حق لله تعالى، شرعه حماية للمجتمع؛ ودفعا للسارق عن معاودة السرقة، وعبرة لغيره، وليكون كفارة له.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” وأما معاقبة السارق بقطع يده … فليس مقصود الحد مجرد الأمن من المعاودة ، ليس إلا، ولو أريد هذا لكان قتل صاحب الجريمة فقط، وإنما المقصود الزجر والنكال والعقوبة على الجريمة، وأن يكون إلى كف عدوانه أقرب، وأن يعتبر به غيره، وأن يحدث له ما يذوقه من الألم توبة نصوحا، وأن يذكره ذلك بعقوبة الآخرة، إلى غير ذلك من الحكم والمصالح ” انتهى. “إعلام الموقعين” (3 / 354 – 355).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
” والحكمة في قطع اليد في السرقة، أن ذلك حفظ للأموال، واحتياط لها، وليقطع العضو الذي صدرت منه الجناية، فإن عاد السارق قطعت رجله اليسرى، فإن عاد، فقيل: تقطع يده اليسرى، ثم رجله اليمنى، وقيل: يحبس حتى يموت. وقوله: ( جَزَاءً بِمَا كَسَبَا ) أي: ذلك القطع جزاء للسارق بما سرقه من أموال الناس.
( نَكَالا مِّنَ اللَّهِ ) أي: تنكيلا وترهيبا للسارق ولغيره، ليرتدع السراق -إذا علموا- أنهم سيقطعون إذا سرقوا.
( وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) أي: عَزَّ وحكم فقطع السارق ” انتهى، من “تفسير السعدي” (ص 231).
فالحاصل؛ أن حد السرقة لا يعارض المعاقبة بالمثل؛ لأنه ليس في مقابلة المال المسروق، وإنما هو عقوبة رادعة عن جريمة السرقة ، وما تجره من مفساد ومصائب على المجتمع ، وعلى السارق نفسه .
بل كل الحدود كذلك ، أفرأيت شارب الخمر يجلد أربعين أو ثمانين جلدة .
والقاذف يجلد ثمانين جلدة .
والزاني يجلد مائة ويغرب سنة إن كان بكرا .
ويرجم بالحجارة حتى يموت إن كان محصنا .
وقاطع الطريق يقتل أو يصلب أو تقطع يده ورجله من خلاف أو ينفى من الأرض ..
كل هذه العقوبات ليست مماثلة لجنايته ، وإنما شرعت لأن بها تتحقق المصلحة وتندفع المفسدة على وجه الكمال – كما سبق – .
فقط ؛ عليك أن تعلم أن هذه الحدود : هي حق الله ، الخالص ، وحده جل جلاله .
وهي تشريعه ، وهو اللطيف الخبير ، العليم بما يصلح عباده .
والتسليم والإيمان بها : وظيفة المؤمن ، وفرضه ، وشرط إيمانه :
قال الله تعالى : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة/49-50
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب