0 / 0
28,00516/07/2017

ماذا يفعل من أراد أن يشفع وتره ولكن الإمام صلى ثلاثا متصلة؟

السؤال: 276710

إذا صلى الإمام الوتر ثلاثا ، بتسليمة واحدة ، وأراد المأموم أن يؤخر الوتر إلى آخر الليل ، ولكنه يريد أيضا أن يظل مع الإمام حتى ينصرف ، فقام بعد الإمام ليأتي بركعة زيادة ، ليشفع صلاته ، فهل يجوز ذلك ؟
وإذا كان هذا جائز ، أليست صلاة الليل مثنى مثنى؟ فهو صلى الآن على نفس هيئة الصلاة الرباعية أفيدوني جزاكم الله خيرا

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

إذا أراد المأموم تأخير الوتر إلى آخر الليل ، وظن أن إمامه سيفصل بين الركعتين والركعة في صلاة الوتر ، فدخل معه بنية ركعتين من قيام الليل ، ولكن الإمام صلى ثلاثا متصلة ، ففيما يفعله المأموم في هذه الحالة خلاف ، وسبب الخلاف : أن هذه المسألة اجتهادية لم تأت السنة ببيانها نصًّا ، وأن أي فعل سيفعله المأموم سيكون فيه مخالفة للسنة من وجهٍ ما ، ولذلك نقل عن الإمام مالك رحمه الله في هذه المسألة ثلاثة أقوال :

قول بالمنع من زيادة ركعة ، وأن شفع الوتر في هذه الحالة غير ممكن .

وقول بجواز زيادة ركعة مع الكراهة .

وقول بالجواز بلا كراهة .

جاء في “الذخيرة” (2/392) للقرافي رحمه الله :

“قَالَ سَنَدٌ : فَلَوْ أَوْتَرَ خَلْفَ مَنْ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ . قَالَ مَالِكٌ : يُوَافِقُهُ .

وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْفَعَ وِتْرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ الْمَنْعَ ، وَرَوَى غَيْرُهُ الْكَرَاهَةَ ، وَالْجَوَازَ” انتهى .

ولعل سبب هذا الاختلاف عن مالك رحمه الله أن أي فعل سيفعله المأموم لا يخلو من إشكال .

وبيان ذلك : أن التصرفات الممكنة في هذا ثلاثة ، وهي :

الأول : أن يسلم بعد ركعتين ويفارق الإمام ، ومفارقة الإمام مكروهة .

الثاني : أن يسلم مع الإمام ولا يزيد ركعة ، وهذا فيه التطوع بثلاث ، وهو مكروه عند كثير من العلماء .

الثالث : أن يزيد ركعة بعد سلام الإمام ، وهذا مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (صَلَاة اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) رواه البخاري (472) ومسلم (749).

وهذه المسألة تشبه مسألة أخرى ، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من صلى في بيته ثم أتى المسجد فوجدهم يصلون ، أمره أن يصلي معهم وتكون صلاته مع الإمام نافلة .

روى الترمذي (219) والنسائي (858) عن يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَامِرِيُّ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجلين لم يصليا معه ، لأنهما كانا صليا في رحالهما : (إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.

وقد اختلف العلماء : هل يشمل هذا الحديث صلاة المغرب أم لا ؟

ذكر الكاساني رحمه الله في “بدائع الصنائع” اختلاف العلماء في هذا على ثلاثة أقوال .

فقيل : لا يدخل مع الإمام في صلاة المغرب ، لأن دخوله مع الإمام يفضي إلى أنه إما أن يسلم مع الإمام فيكون تطوع بثلاث ، وإما أن يزيد ركعة فيكون خالف الإمام .

والقول الثاني : أنه يدخل معه في صلاة المغرب ويسلم معه .

والقول الثالث : أنه يزيد ركعة ، وهو قول أبي يوسف رحمه الله .

واختار الكاساني الجمع بين القولين الأول والثالث ، فاختار أنه لا يدخل مع الإمام ، فإن دخل عمل بقول أبي يوسف وزاد ركعة .

فقال رحمه الله :

“وَلَا يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الثَّلَاثِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ، وَالتَّنَفُّلُ بِالثَّلَاثِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَإِمَّا أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا فَيَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى لِتَصِيرَ شَفْعًا لَهُ، وقيل : يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ …

فَإِنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى أَرْبَعًا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ” انتهى من “بدائع الصنائع” (1/287) .

والصواب في هذه المسألة أنه يدخل مع الإمام ويسلم معه .

قال الحجاوي رحمه الله في “زاد المستقنع”:

“وَمَنْ صَلَّى ثُمَّ أُقِيْمَ فَرْضٌ : سُنَّ أَنْ يُعِيدَهَا ، إِلاَّ المَغْرِبَ” .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه :

“قوله: إلا المغرب أي: فإنَّه لا تُسَنُّ إعادتُها.

وعلَّلوا ذلك: بأن المغربَ وِترُ النَّهار كما جاءَ في الحديثِ ، والوِترُ لا يُسَنُّ تكرارُه، فإنَّه لا وِتران في ليلةٍ، فكذلك لا وِترانِ في يومٍ، وصلاةُ المغربِ وِترُ النَّهارِ.

ولكن هذا التعليل فيه شيءٌ؛ لأنَّه يمكن أن نقول: الفارقُ بين المغربِ وبين وِترِ الليلِ: أنَّ إعادةَ المغربِ مِن أجلِ السَّببِ الذي حَدَثَ وهو حضور الجماعة، وهذا فَرْقٌ ظاهرٌ.

وأيضاً: عمومُ قولُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: (إذا صَلَّيتُما في رِحالِكما، ثم أتيتُما مسجدَ جماعةٍ فصلِّيا معهم)  يشمَلُ المغربَ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يستثنِ شيئاً.

وبهذا صار القولُ الصحيحُ في هذا المسألة: أنَّه يُعيدُ المغربَ، لأنَّ لها سبباً، وهو موافقةُ الجماعةِ.

ولكن؛ هل نقول: إذا سَلَّمَ الإمامُ ائتِ بركعة لتكون الصَّلاةُ شفعاً، أو له أن يُسلِّمَ مع الإمامِ؟ في هذا قولان.

والصَّحيحُ: أنَّه يُسلِّمُ مع الإمامِ، وإذا ضَممتَ هذين القولين إلى قولِ المؤلِّفِ صارت الأقوال ثلاثة:

أحدها: لا تُسنُّ إعادةُ المغربِ.

الثاني: تُسَنُّ؛ ويشفعُها بركعةٍ.

الثالث: تُسنُّ؛ ولا يشفعُها، وهو الصَّحيحُ” انتهى من “الشرح الممتع” (4/156) .

وقال ابن حزم رحمه الله في “المحلى” (2/258) :

“وأما إعادة من صلى إذا وجد جماعة تصلي تلك الصلاة: – فإن ذلك مستحب ، مكروه تركه في كل صلاة …

وقال أبو حنيفة: لا يصلي ثانية إلا الظهر والعتمة [أي العشاء] فقط …

وقال مالك: يعيد من صلى في منزله صلاة فرض مع الجماعة إذا وجدها تصلي تلك الصلاة، جميع الصلوات حاشا المغرب فلا يعيدها…

قال ابن حزم:

وأما قول أبى حنيفة، فإنه احتج بأن التطوع بعد الصبح وبعد العصر لا يجوز، واحتج بالأخبار الواردة في ذلك، وغلَّبها على أحاديث الأمر، وغلَّبنا نحن أحاديث الأمر، وسنذكر البرهان على الصحيح من العملين إن شاء الله تعالى…

وأما قول مالك فإنهم احتجوا في المنع من أن يصلي مع الجماعة التى تصلي المغرب خاصة بأن قالوا: إن المغرب وتر النهار، فلو صلاها ثانية لشفعها، فبطل كونها وترا .

قال ابن حزم: وهذا خطأ، لأن إحداهما نافلة، والأخرى فريضة، بإجماع منا ومنهم، والنافلة لا تشفع الفريضة، بإجماع منا ومنهم .

وقالوا: لا تطوع بثلاث، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) وهذا لا حجة لهم فيه، لأن الذى وجبت طاعته في إخباره بأن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى: هو الذى أمر من صلى ووجد جماعة تصلي أن يصلي معهم، ولم يخص صلاة بعد صلاة، وهو الذى أمر أن يتنفل في الوتر بواحدة أو بثلاث.

والحق في هذا هو أن جميع أوامره صلى الله عليه وسلم حق ، لا يضرب بعضها ببعض، بل يؤخذ بجميعها كما هي” انتهى .

والمقصود من ذكر هذه المسألة هو شبهها بالمسألة الواردة في السؤال ، وكذلك للاستفادة من تعليلات العلماء ومناقشاتهم ، فإن منها ما يمكن أن تعلل به المسألة محل البحث .

والذي يظهر – بعد البحث – في حكم من نوى ركعتين قيام الليل ولكن الإمام صلى الوتر ثلاثا متصلة أن أمامه أحد خيارين أيهما فعل فهو جائز .

الأول : أن يسلم مع الإمام ، ويغتفر في هذه الحالة التطوع بثلاث ، وذلك حتى لا يخالف إمامه، لاسيما وقد ذهب كثير من العلماء إلى جواز التطوع بركعة أو ثلاث ، وهو مروي عن بعض الصحابة رضي الله عنهم .

قال المرداوي رحمه الله في “الإنصاف” (4/208) :

“وهل يَصِحُّ التَّطَوُّعُ بِركْعَةٍ؛ على روايتَيْن …

إحْداهما، يصِحُّ، وهو المذهب…

الرواية الثَّانية، لا يصِحُّ. وهي ظاهر كلامِ الْخرَقيِّ. ونصَرها المصَنِّف في المغْنِي

فائدة: قال المَجْدُ في شرْحه، وابنُ تميم، والزرْكَشي، وابنُ حَمْدان في رِعايتِه، وصاحِب الحاوِي، و مَجْمَع البَحْرَين، وغيرهم: حكم التنفلِ بالثَّلاث والخمس : حُكمُ التنفلِ برَكْعةٍ؛ فيه الروايَتان. ولا نعلم لهم مُخالِفًا. قال في الفُروعِ: ويصِح التَّطَوُّعُ بفرْدِ ركْعةٍ” انتهى .

وقال الشيرازي في “المهذب”

“والسنة ان يسلم من كل ركعتين …

وإن جمع ركعات بتسليمة جاز …

وإن تطوع بركعة واحدة جاز ، لما روي أن عمر رضى الله عنه (مر بالمسجد فصلي ركعة فتبعه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إنما صليت ركعة . فقال : إنما هي تطوع فمن شاء زاد ومن شاء نقص)” انتهى .

قال النووي رحمه الله في شرحه:

“الأثر المذكور عن عمر رضي الله عنه رواه الشافعي ثم البيهقي بإسنادين ضعيفين ، ومعنى كلامه : أن التطوع يسن كونه ركعتين ، ولا يشترط ذلك ، بل من شاء استوفى المسنون ، ومن شاء زاد عليه فزاد علي ركعتين بتسليمة، ومن شاء نقص منه فاقتصر علي ركعة” انتهى من “المجموع” (3/541) .

الخيار الثاني : أن يزيد ركعة ، فيصلي أربعا ، ويغتفر في هذه الحالة التطوع بأربع متصلة ، حتى لا يسلم مع الإمام فيكون قد تطوع بثلاث ، وهو مكروه عند بعض العلماء .

وقيام الليل بأربع ركعات جائز عند أكثر العلماء ، وحملوا قول النبي صلى الله عليه وسلم : (صلاة الليل مثنى مثنى) على الأفضلية .

قال المرداوي في الإنصاف (4/192- 195) :

“اعلمْ أن الأفضَلَ في صلاةِ التَّطوُّع في الليلِ والنهارِ، أنْ يكون مثنى ، وإنْ زادَ على ذلك، صَحّ، ولو جاوزَ ثمانِيًا ليْلًا، أو أربعًا نَهارًا. وهذا المذهب. قال المجْد في شرحِه، وصاحِبُ مَجْمَع البَحْرَين، وغيرُهما: هذا ظاهرُ المذهبِ. وهو أَصَحُّ. وقدمه في الفُروع. وقال: وظاهره : عَلِمَ العدَدَ أو نَسِيَه. واخْتارَه القاضي، وأبو الخطَاب، والمجْدُ وغيرُهم. قال الزرْكَشي: وهو المشْهورُ. وقيل: لا يصِحُّ إلَّا مثنى فيهما. وقيل: لا يصِح إلَّا مثنَى في الليلِ فقط. وهو ظاهرُ كلامِ المصنِّفِ هنا [يعني ابن قدامة] …

فعلى القولِ بصِحةِ التَّطوع بزيادةٍ على مَثنى ليْلًا، لو فعَلَه : كُرِهَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ… وعنه : لا يُكْرَهُ” انتهى .

وقال النووي رحمه الله في “المجموع” (3/543) :

“فرع في مذاهب العلماء في ذلك [يعني التطوع بأكثر من ركعتين] : قد ذكرنا أنه يجوز عندنا أن يجمع ركعات كثيرة من النوافل المطلقة بتسليمة ، وأن الأفضل في صلاة الليل والنهار أن يسلم من كل ركعتين ، وبهذا قال مالك وأحمد وداود وابن المنذر وحكي عن الحسن البصري وسعيد بن جبير . وقال أبو حنيفة : التسليم من ركعتين أو أربع في صلاة النهار سواء في الفضيلة ولا يزيد على ذلك ، وصلاة الليل ركعتان وأربع وست وثمان بتسليمة ولا يزيد علي ثمان” انتهى .

وبهذا يتبين أن التنفل بأكثر من ركعتين جائز عند عامة العلماء .

وسبب التخيير بين هذين الخيارين : أن كلاًّ منهما لا يخلو من مخالفة السنة من وجهٍ . ولكن الخيار الأخير أفضل ، لأنه إذا سلم مع الإمام أو زاد ركعة فقد تطوع بأكثر من ركعتين في الحالتين ، فكونه يقطعها على شفع أفضل من قطعها على وتر .

وأما كراهة التطوع بأكثر من ركعتين ، فتزول الكراهة للحاجة ، والحاجة هنا هي متابعة الإمام .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android