0 / 0

هل يجوز لأصحاب النخيل التصرف في الثمرة إذا لم يتوفر خارص للزكاة؟

السؤال: 277753

أصحاب النخيل التمور قبل خرصها إذا لم يتوفر خارص ، وقبل زكاتها ، فهل يجوز لهم الأكل والإهداء والبيع منها ويؤدون زكاة التمر المتبقي عند الحصاد ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:

خرص النخيل والعنب ونحوهما ، هو : أن ينظر الخارص إلى الرطب ، والعنب ، فيُقدر : كم يجيء محصول هذه الشجرة ، بالكيل ، بعدما يجف ، ويصير تمرا أو زبيبا .

فيرسل الإمام الخارصين ؛ ليقدروا على أصحاب المزارع ما يجب عليهم من الزكوات .

قال أبو السعادات ابن الأثير: “خَرَصَ النَّخْلَةَ والكَرْمة ، يَخْرُصُهَا خَرْصاً: إِذَا حَزَرَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الرُّطب تَمْرا ، وَمِنَ الْعِنَبِ زَبِيبًا، فَهُوَ مِنَ الْخَرْصِ: الظَّنِّ؛ لِأَنَّ الحَزْر إِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ بِظَنٍّ ” انتهى من “النهاية لابن الأثير” (2/22)

 ثانيا :

من العلماء من يُشدّد في التصرف في الثمار قبل الخرص ، بالأكل أو البيع ونحوه ، ويمنع من ذلك .

ومنهم من يرخّص في ذلك ، بل يرى أن للمالك منها ثلث الغلة ، أو ربعها ، يتوسع بها هو وعياله ويهدي منها  .

ومنهم من يرى أن ما يُترك له ليس ليتوسع بها على نفسه وعياله ، بل لينظر بها أهل الزكاة الذين يعرفهم من أقاربه وجيرانه ونحو ذلك .

والذي يظهر :

أنه إذا لم يكن الحاكم يرسل من يخرص على أهل المزارع مزارعهم ، فإن صاحب الثمرة يأتي بخارص أمين ، معروف بخبرته ، فيخرص له ثمرته .

فإن احتاج إلى أكل أو هدية ، ولم يتيسر له خارص : فإنه يجتهد في تقدير ثمرته بنفسه ، ويقيسها على ما اعتاده قبل ذلك ، فيقرب ذلك باجتهاده ، ويترك لنفسه الثلث أو الربع ، من المال فلا تلزمه فيه الزكاة ، ثم تحسب الزكاة على ثلثي المحصول ، أو ثلاثة أرباعه .

وأما ما باعه .. فإن كان باعه بعد بدو صلاحه – كما هو الغالب – فعليه زكاته ، فيضيف مقدار ما باعه على الثمرة الموجودة عند الجذاذ ، ويزكي الجميع ، أو يخرج زكاة ما باعه نقودا ، كلما باع شيئا ، أخرج عشر الثمن ، أو نصف عشره ، حسب الواجب عليه في الزكاة .

قال ابن قدامة :

“ويصح تصرف المالك في النصاب قبل الخرص ، وبعده ، بالبيع والهبة وغيرهما . فإن باعه أو وهبه بعد بدو صلاحه ، فصدقته على البائع والواهب… وإنما وجبت على البائع ؛ لأنها كانت واجبة عليه قبل البيع فبقي على ما كان عليه” انتهى من “المغني” (3/13) .

وقال أيضا :

“وعلى الخارص أن يترك في الخرص الثلث أو الربع ، توسعة على أرباب الأموال ؛ لأنهم يحتاجون إلى الأكل هم وأضيافهم ، ويطعمون جيرانهم وأهلهم وأصدقاءهم وسؤالهم . ويكون في الثمرة السقاطة ، وينتابها الطير وتأكل منه المارة ، فلو استوفى الكل منهم أضر بهم . وبهذا قال إسحاق ، ونحوه قال الليث  ، وأبو عبيد .

والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي باجتهاده ، فإن رأي الأكلة كثيرا ترك الثلث ، وإن كانوا قليلا ترك الربع ؛ لما روى سهل بن أبي حثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : (إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) رواه أبو عبيد، وأبو داود، والنسائي ، والترمذي.

وروى أبو عبيد ، بإسناده عن مكحول ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخراص قال : (خففوا على الناس ، فإن في المال العرية والواطئة والأكلة ).

قال أبو عبيد : الواطئة : السابلة سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين .

والأَكَلة : أرباب الثمار وأهلوهم ، ومن لصق بهم …

والعرية : النخلة أو النخلات يهب إنسانا ثمرتها ، فجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (ليس في العرايا صدقة) .

وروى ابن المنذر عن عمر  رضي الله عنه أنه قال لسهل بن أبي حثمة : “إذا أتيت على نخل قد حضرها قوم ، فدع لهم ما يأكلون “

والحكم في العنب كالحكم في النخيل سواء .

فإن لم يترك لهم الخارص شيئا ، فلهم الأكل بقدر ذلك ، ولا يحتسب عليهم به ، نصّ عليه [ يعني الإمام أحمد] ؛ لأنه حق لهم .

فإن لم يخرج الإمام خارصا ، فاحتاج رب المال إلى التصرف في الثمرة ، فأخرج خارصا ، جاز أن يأخذ بقدر ذلك ، ذكره القاضي ، وإن خرص هو وأخذ بقدر ذلك جاز ، ويحتاط في أن لا يأخذ أكثر مما له أخذه ” انتهى من “المغني” (3/16) .

وقال المرداوي : ” إذا لم يبعث الإمام ساعيا ، فعلى رب المال من الخرص ما يفعله الساعي ، ليعرف قدر الواجب قبل أن يتصرف ، لأنه مستخلف فيه ، ولو ترك الساعي شيئا من الواجب ، أخرجه المالك ، نص عليه ” انتهى من الإنصاف (3/111) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “مجموع الفتاوى” (25/57) :

“وأمر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَارِصِينَ أَنْ يَدَعُوا لِأَهْلِ الْأَمْوَالِ الثُّلُثَ أَوْ الرُّبُعَ ، لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ عُشْرٌ ، وَيَقُولُ: (إذَا خَرَصْتُمْ فَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبُعَ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : (فَإِنَّ فِي الْمَالِ الْعَرِيَّةَ والوطية وَالسَّابِلَةَ) ، يَعْنِي : أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَتَبَرَّعُ بِمَا يُعَرِّيهِ مِنْ النَّخْلِ لِمَنْ يَأْكُلُهُ ، وَعَلَيْهِ ضَيْفٌ يَطَئُونَ حَدِيقَتَهُ يُطْعِمُهُمْ ، وَيُطْعِمُ السَّابِلَةَ وَهُمْ أَبْنَاءُ السَّبِيلِ .

وَهَذَا الْإِسْقَاطُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ” انتهى.

وجاء في “فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم” رحمه الله (4/38) :

“يجب على ولي الأمر أن يحرض الذين يتولون الخرص على عدم الظلم والزيادة ؛ بل يجب أن يترك في الخرص لأرب المال : الثلث أو الربع ، لحديث سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) رواه الخمسة إلا ابن ماجه . وقد ذكر العلماء رحمهم الله أن الشرع جاء بهذا : توسعة على رب المال ، لأكله هو وأضيافه وجيرانه … ” انتهى .

وقال أيضا (4/39) عمن استدل بالحديث السابق على أن الاستقصاء في الخرص مخالف للسنة ، قال : “ما ذكره صحيح لا إشكال فيه ، والحديث الذي استدل به جار على قواعد الشريعة ومحاسنها .

وذلك : لأن الثمار ينوبها أشياء ، من أكل وهدية وصدقة ، وغير ذلك مما جرت به العادة في كل زمان ومكان ، فجاءت السنة بالتخفيف عن صاحب السمرة ، وأن يترك له من ثمرته مقدار ما ذكره .

واتباع السنة في هذا وغيره هو المتعين على ولاة الأمر أن يفعلوه بأنفسهم ، وأن يحملوا الرعية عليه ” انتهى .

والحاصل :

أن الوالي إن كان يبعث من يخرص على الناس ثمارهم : فالواجب على الخارص ألا يستقصي في خرصه ، وأن يرفق بهم ، ولا يظلمهم ، ويدع لهم شيئا من ثمرهم ، الثلث ، أو الربع ، بحسب الحال ، توسعة عليهم وعلى أهليهم .

فإن لم يبعث الإمام خارصا : اجتهد صاحب الثمر في الخارص الأمين ، يخرص له ثمره .

فإن احتاج إلى أكل أو هدية ، قبل الخرص ، أو لم يتيسر له الخارص : فله أن يقدر ثمرته باجتهاده ، ويجعل ما يأكله أو يهديه ، من الثلث الذي وسع عليه فيه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android