0 / 0
23,56412/01/2018

لا تريد أن تتعلم لكي لا يكون العلم حجة عليها، وتسأل : هل يعذر الجاهل مطلقا؟

السؤال: 278553

عندي سؤال يؤرقني من التفكير بخصوص جهل الناس بأحكام الدين والفقه ، فأنا دائما أستمع فتاوى ومحاضرات للشيوخ في فراغي ، وتعلمت الكثير من الأمور ، لكن عندما علمت أن الإنسان يعذر بالجهل اشتعل قلبي نارا ، فعندما أعلم أنا بالحلال والحرام ، مثل نمص الحاجب ، وثم تغريني الحياة ، واستمر بالنمص ، وأنا أعلم بأنه حرام فأنا آثمة جدا ، بينما غيري لا تعلم ، ومستمرة بالنمص ، وليس عليها إثم ، إذن لماذا أنا أتعلم فقه الأحكام إذا كان الأمر هكذا ، فأن أظل على جهلي وأنا غير آثمة أفضل من أن أعلم الحكم ثم أضعف وأقوم به وأتحمل الإثم ؟
شعرت بالظلم لأنني أتعلم ، وأبحث ، وأتعب لأتعلم ، وألتزم ، وأطبق ، ثم يأتي إنسان جاهل غير عارف بأحكام الإسلام ليعيش سعيدا بدون ذنب ، ولا تأنيب ضمير، أليس من المفروض أن يكون طلب العلم فريضة يجب تعلمها ، والعمل بها ، وتركها يعاقب عليه حتى يحاسب الناس على جهلها بالدين ؟
ولماذا أنا أعاقب على ضعفي في التطبيق ، وحتى لا أحصل على مساواة مع الإنسان الجاهل الراكض وراء الدنيا ووراء أهوائه ، برغم تطور الحياة ، وتطور وسائل أخذ العلم ، لكنه أصلا يستمتع في الدنيا بجهله ، ولم يخطر بباله الدين ، فلماذا لا يأثم لعدم بحثه عن الأحكام، وأنا أأثم لعلمي بالأحكام ؟
هذا الشيء جعلني أبتعد عن الأخذ بالعلم ، وعن البحث عن الأحكام ، والبقاء على جهلي أفضل ؛ لأني شعرت بعدم العدل .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

العلم منه ما هو فرض عين يأثم الإنسان بتركه، وهو علم ما تصح به عقيدته وعبادته ومعاملته، فعلى فرض أنه عذر بجهله في وقوعه في مخالفة شرعية، فإنه يأثم لتفريطه في تعلم ما يجب عليه.

وفي الموسوعة الفقهية (13/ 5): ” تعلم العلم تعتريه الأحكام الآتية: قد يكون التعلم فرض عين، وهو تعلم ما لا بد منه للمسلم، لإقامة دينه وإخلاص عمله لله تعالى، أو معاشرة عباده.

فقد فرض على كل مكلف ومكلفة – بعد تعلمه ما تصح به عقيدته من أصول الدين – تعلم ما تصح به العبادات والمعاملات ، من الوضوء والغسل والصلاة والصوم، وأحكام الزكاة، والحج لمن وجب عليه، وإخلاص النية في العبادات لله.

ويجب تعلم أحكام البيوع على التجار ، ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات، وكذا أهل الحرف .

وكل من اشتغل بشيء يفرض عليه تعلم حكمه ليمتنع عن الحرام فيه.

وقد يكون التعلم فرض كفاية، وهو تعلم كل علم لا يستغنى عنه في قيام أمور الدنيا ، كالطب والحساب والنحو واللغة والكلام والقراءات وأسانيد الحديث ونحو ذلك … ” انتهى.

ومما يدل على أن الإنسان قد يعذر بجهله في أمر ما، ويأثم ويعاقب على تفريطه في تعلم الواجب: ما روى عبد الرزاق في مصنفه (13644) أَنَّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، قَالَ: تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ، وَأَعْتَقَ مَنْ صَلَّى مِنْ رَقِيقِهِ وَصَامَ، وَكَانَتْ لَهُ نُوبِيَّةٌ قَدْ صَلَّتْ وَصَامَتْ ، وَهِيَ أَعْجَمِيَّةٌ لَمْ تَفْقَهْ، فَلَمْ يُرَعْ إِلَّا حَبَلُهَا، وَكَانَتْ ثَيِّبًا، فَذَهَبَ إِلَى عُمَرَ فَزِعًا فَحَدَّثَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَأَنْتَ الرَّجُلُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، فَأَفْزَعَهُ ذَلِكَ .

فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَسَأَلَهَا فَقَالَ: حَبِلْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ مِنْ مَرْغُوشٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَإِذَا هِيَ تَسْتَهِلًّ بِذَلِكَ لَا تَكْتُمُهُ !!

فَصَادَفَ عِنْدَهُ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ، وَكَانَ عُثْمَانُ جَالِسًا، فَاضْطَجَعَ فَقَالَ عَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ وَقَعَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، فَقَالَ: أَشِرْ عَلَيَّ، يَا عُثْمَانُ. فَقَالَ: قَدْ أَشَارَ عَلَيْكَ أَخَوَاكَ. قَالَ: أَشِرْ عَلَيَّ أَنْتَ. قَالَ عُثْمَانُ: أُرَاهَا تَسْتَهِلُّ بِهِ كَأَنَّهَا لَا تَعْلَمُهُ، وَلَيْسَ الْحَدُّ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ .

فَأَمَرَ بِهَا فَجُلِدَتْ مِائَةً، ثُمَّ غَرَّبَهَا، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَتْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا الْحَدُّ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ.

فعذرها عمر لجهلها ولم يرجمها، وجلدها تعزيرا لتفريطها في التعلم.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” كل إنسان فعل شيئاً محرماً جاهلاً به فإنه ليس عليه إثم، ولا يترتب عليه عقوبة؛ لأن الله تعالى أرحم من أن يعذب من لم يتعمد مخالفته ومعصيته.

ولكن يبقى النظر إذا فرط الإنسان في طلب الحق، بأن كان متهاوناً، ورأى ما عليه الناس ففعله دون أن يبحث، فهذا قد يكون آثماً، بل هو آثم بالتقصير في طلب الحق، وقد يكون غير معذور في هذه الحال، وقد يكون معذوراً إذا كان لم يطرأ على باله أن هذا الفعل مخالفة، وليس عنده من ينبهه من العلماء، ففي هذه الحال يكون معذوراً .

ولهذا كان القول الراجح أنه لو عاش أحدٌ في البادية بعيداً عن المدن، وكان لا يصوم رمضان ظناً منه أنه ليس بواجب، أو كان يجامع زوجته في رمضان ظناً منه أن الجماع حلال، فإنه ليس عليه قضاء؛ لأنه جاهل، ومن شرط التكليف بالشريعة أن تبلغ المكلف فيعلمها.

فالخلاصة إذاً: أن الإنسان يعذر بالجهل، لكن لا يعذر في تقصيره في طلب الحق” انتهى من لقاء الباب المفتوح (39/ 9).

ثانيا:

العذر بالجهل ليس على إطلاقه، فمن تمكن من العلم وأعرض، لم يكن معذورا، ولهذا يقول الفقهاء: إن كان مثله يجهل ذلك فهو معذور، وإن كان مثله لا يجهله فليس معذورا؛ لأنه إذا علم أمثاله الحكم في الواقعة، وجهله هو، كان دليلا على تفريطه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

“العذر لا يكون عذرا إلا مع العجز عن إزالته ، وإلا ، فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصر فيها لم يكن معذورا ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (20/280) .

وقال في كشاف القناع (2/ 256): ” (فإن جحد) المسلم الحر المكلف (وجوبها) أي الزكاة (جهلا به – ومثله يجهله – كقريب عهد بإسلام، أو نشوئه ببادية بعيدة) بحيث (يخفى عليه) وجوب الزكاة (عُرّف ذلك) أي وجوبها، ليرجع عن الخطأ ولم يحكم بكفره لأنه معذور (ونهي عن المعاودة) لجحد وجوبها لزوال عذره (فإن أصر) على جحد الوجوب بعد أن عرف (أو كان عالما بوجوبها: كفر) إجماعا لأنه مكذب لله ورسوله وإجماع الأمة، ولو أخرجها ” انتهى.

وقال القرافي رحمه الله في الفروق (4/ 264): ” واعلم أن الجهل بما تؤدي إليه هذه الأدعية ليس عذرا للداعي عند الله تعالى؛ لأن القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه، لا يكون حجة للجاهل؛ فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله ، وأوجب عليهم كافة أن يعلموها ثم يعملوا بها ؛ فالعلم والعمل بها واجبان، فمن ترك التعلم والعمل ، وبقي جاهلا : فقد عصى معصيتين لتركه واجبين، وإن علم ولم يعمل فقد عصى معصية واحدة بترك العمل، ومن علم وعمل فقد نجا” انتهى.

وقال السيوطي رحمه الله في الأشباه والنظائر (ص200): ” كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس، لم يقبل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك، كتحريم الزنا، والقتل، والسرقة والخمر، والكلام في الصلاة، والأكل في الصوم، والقتل بالشهادة إذا رجعا، وقالا: تعمدنا ، ولم نعلم أنه يقتل بشهادتنا، ووطء المغصوبة، والمرهونة بدون إذن الراهن، فإن كان بإذنه قُبل مطلقا ; لأن ذلك يخفى على العوام” انتهى.

فتبين بهذا أن الجاهل ليس معذورا بإطلاق، فلا يعذر إذا تمكن من العلم وأعرض أو فرط، وقد يعذر، لكن يأثم بتقصيره في التعلم.

ولو كان الجاهل معذورا مطلقا، لكان الجهل للإنسان خيرا له من العلم كما ذكرت.

وهذا ما نبه عليه الشافعي رحمه الله.

قال الزركشي في المنثور في القواعد (2/ 16): ” إعذار الجاهل من باب التخفيف، لا من حيث جهله. ولهذا قال الشافعي رضي الله عنه : لو عذر الجاهل، لأجل جهله لكان الجهل (خيرا) من العلم (إذ) كان يحط عن العبد أعباء التكليف (ويريح) قلبه (من) ضروب التعنيف، فلا (حجة) للعبد في جهله (بالحكم) بعد التبليغ والتمكين، (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)” انتهى.

فدعي الوساوس ، وتلاعب الشيطان بك ، يا أمة الله ؛ واطلبي العلم، واعلمي أنه شرف ورفعة في الدنيا والآخرة، واحذري الإعراض والتفريط في تعلم ما وجب عليك ، فإنك تأثمين بذلك، ولا تعذرين معه بالجهل.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android