هل صحيح ما يقال : إنه يجوز للمرأة الخروج بمكياج خفيف ، والذى يدارى عيوب الوجه مثلا ، ويجعله حسنا ، ويدارى بهتان الوجه ، ويحوز أيضا الخروج بالمانيكير الشفاف ، وقال : إن العلماء اختلفوا فى تفسير حديث الرسول الذى يقول فيما معناه أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهى زانية ، وإن المحرم هو خروج المرأة بالعطر لتوقع الناس فى الفتنة ؛ لأنه قال “ليجدوا” ، وبهذا فيجوز خروج المراة بعطر خفيف لا يثير الفتنة ، فهل هذا الكلام صحيح ؟ وهل حقا يجوز الخروج بالمكياج الخفيف للغاية مثل وضع كريم لإخفاء عيوب الوجه ؟
هل يجوز للمراة أن تخرج بالمكياج الخفيف؟
السؤال: 280556
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
لا يجوز للمرأة أن تبدي زينتها لغير من ذكر الله تعالى بقوله: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النور/31 .
والمكياج من الزينة، فلا يجوز إبداؤه للأجانب ، سواء كان يسيرا أو كثيرا، في الوجه أو في اليدين.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: “الزِّينَةُ زِينَتَانِ : زِينَةٌ ظَاهِرَةٌ وَزِينَةٌ بَاطِنَةٌ لَا يَرَاهَا إلَّا الزَّوْجُ. وَأَمَّا الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ فَالثِّيَابُ، وَأَمَّا الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ فَالْكُحْلُ وَالسِّوَارُ وَالْخَاتَمُ” رواه ابن أبي شيبة في “المصنف” (3/ 384).
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (17/128) ما نصه : ” كثير من النساء في مصر يضعن الكحل في أعينهن ، إذا قلت لهن : إنها إذا وضعت للزينة حرام ، يقلن لي : إنها سنة . هل هذا صحيح ؟
ج : استعمال الكحل مشروع ، لكن لا يجوز للمرأة أن تبدي شيئا من زينتها ، سواء الكحل أو غيره لغير زوجها ومحارمها ، لقوله تعالى : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ… ” انتهى.
ثانيا:
يحرم على المرأة أن تخرج من بيتها متعطرة بحيث يشم الرجال الأجانب ريحها؛ للأحاديث الصريحة في ذلك.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ رواه النسائي (5126) ، وأبو داود (4173) ، والترمذي (2786) والحديث حسنه الألباني في “صحيح النسائي” .
وهذا فيمن قصدت أن يشم الناس ريحها، وتعمدت الفتنة.
قال المناوي في “فيض القدير” (3/ 147): (فمرت على قوم) من الأجانب (ليجدوا ريحها) أي بقصد ذلك (فهي زانية) أي كالزانية في حصول الإثم وإن تفاوت، لأن فاعل السبب كفاعل المسبب.
قال الطيبي: شبه خروجها من بيتها ، متطيبة ، مهيجة لشهوات الرجال ، التي هي بمنزلة رائد الزنا ؛ بالزنا ، مبالغة وتهديدا وتشديدا عليها” انتهى.
فإن لم تقصد ذلك، لكن علمت أو غلب على ظنها أن الرجال يشمون ريحها، حرم ذلك، لكنه ليس كبيرة كالأول.
ودليل ذلك: حديث زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ ابن مسعود قَالَتْ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا ) رواه مسلم (443) .
فهذا نهي عن الخروج بالطيب حيث يوجد الرجال الأجانب.
قال القاضي عياض رحمه الله في “إكمال المعلم” (2/ 355): ” ونهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للنساء عن الخروج إلى المساجد إذا تطيبن أو تبخَّرن؛ لأجل فتنة الرجال بطيب ريحهن وتحريك قلوبهم وشهواتهم بذلك، وذلك لغير المساجد أحرى .
وفى معنى الطيب ظهور الزينة وحسن الثياب وصوت الخلاخيل والحلي، وكل ذلك يجب منع النساء منه إذا خرجن بحيث يراهن الرجال” انتهى.
لكن إثم هذا دون الأول.
قال ابن حجر الهيتمي في “الزواجر عن اقتراف الكبائر” (2/71-72): ” وينبغي حمله – يعني الأحاديث التي تعده من الكبائر : على ما إذا تحققت الفتنة ، أما مع مجرد خشيتها فهو مكروه ، أو مع ظنها فهو حرام غير كبيرة كما هو ظاهر ” انتهى .
وينظر تفصيل الكلام على خروج المرأة متعطرة في جواب السؤال رقم : (102329) .
على أن بعض أهل العلم قد حمل (اللام) في الحديث على (لام) العاقبة ، لا لام التعليل ؛ كالتي في قول الله تعالى : فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ القصص/8 ؛ فآل فرعون لم يلتقطوا موسى عليه السلام ، من أجل أن يكون لهم عدوا وحزنا ، ولا كان ذلك مقصدا لهم ؛ وإنما هم التقطوه لنفعهم ومصلحتهم ، لكن كانت (عاقبة) التقاطهم له ، أن صار : عدوا ، وحزنا .
جاء في “آيات الأحكام” للشيخ محمد علي السايس رحمه الله (591-592) :
” وظاهر الآية [يعني : قوله تعالى : (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) ] : أنهنّ منهيات عن الضرب بأرجلهن ، بقصد أن يعلم الناس ما يخفين من زينة .
فيقتضي بمفهومه : أنّه لا إثم على المرأة أن تضرب برجلها ، إذا لم تقصد بذلك تنبيه الناس على زينتها .
ولعلّ هذا غير مراد ، وأنّ تقييد النهي عن الضرب بحالة القصد إنما هو لموافقة سبب النزول ، ومثل هذا لا يعتبر مفهومه.
ويصحّ أن تكون (اللام) في قوله تعالى : ( لِيُعْلَمَ ) : لام العاقبة ؛ ويكون المعنى على ذلك : أنهنّ منهيات عن الضرب بأرجلهن أمام الرجال الأجانب مطلقا ، سواء أقصدن إعلامهم أم لم يقصدن. فإنّ عاقبة الضرب بالأرجل ، وفيها الخلاخل : أن يعلم الناس ما يخفين من الزينة فيفتتنوا بهن. وبالقياس على ما تقدم ، قال الفقهاء : إنّه لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها متعطرة بحيث تشمّ منها الرائحة الطيبة .
فقد أخرج أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال : سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: لا يقبل صلاة امرأة تطيّبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة .
وروى أبو داود والنسائي، عن أبي موسى رضي اللّه عنه ، أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: كل عين زانية ، والمرأة إذا استعطرت ، فمرّت بالمجلس ، فهي كذا وكذا . يعني زانية. ” انتهى. وهو ما قرره د. وهبة الزحيلي أيضا ، في تفسيره (18/221) .
فلتحذر المسلمة من التهاون بمثل ذلك ، فقد جاء فيه من الوعيد ما علم ، ولتحذر من اتباع خطوات الشيطان ، وتسويل المسولين ؛ فالنفس تتمنى ، وتشتهي …
وقد قال الله تعالى : وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى النازعات/40-41
ثالثا:
يجب على المرأة ستر وجهها وكفيها عن الرجال الأجانب، على الراجح من كلام الفقهاء.
وينظر: جواب السؤال رقم : (11774) .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة