قرأت أن الشروط الفاسدة لا تبطل العقود إذا لم يكن لها علاقة بمقصود العقد، فهل هذا يقول به جميع المذاهب؟ و أرجو زيادة بيان هذه القاعدة، وكيف نفرق بين الشرط الذي يبطل العقد وغيره ؟
الشروط الفاسدة وأثرها على العقد
السؤال: 280996
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الشروط الفاسدة وأثرها على العقد، موضوع كبير لا تتسع له الفتوى، لبيان ضابط الشروط الفاسدة، ثم هل تبطل العقد أم لا ؟ وخلاف الفقهاء في ذلك كله.
وفي “الموسوعة الفقهية الكويتية” خلاصة حسنة نوردها مع طولها.
جاء في “الموسوعة” (26/ 13- 16): ” الشرط الفاسد أو الباطل:
هو ضربان: أحدهما: ما يفسد العقد ويبطله، وثانيهما: ما يبقى التصرف معه صحيحا.
الضرب الأول: ما يفسد العقد ويبطله.
أ – ضابطه:
ضابط هذا الضرب عند الحنفية: اشتراط أمر يؤدي إلى غرر غير يسير، أو اشتراط أمر محظور، أو اشتراط ما لا يقتضيه العقد، وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، أو للمعقود عليه، ولا يلائم مقتضى العقد، ولا مما جرى عليه التعامل بين الناس، ولا مما ورد في الشرع دليل بجوازه.
وضابطه عند المالكية: اشتراط أمر محظور، أو أمر يؤدي إلى غرر، أو اشتراط ما ينافي مقتضى العقد.
وضابطه عند الشافعية: اشتراط أمر لم يرد في الشرع، أو اشتراط أمر يخالف مقتضى العقد، أو اشتراط أمر يؤدي إلى جهالة.
وضابطه عند الحنابلة: اشتراط عقدين في عقد، أو اشتراط شرطين في عقد واحد، أو اشتراط ما يخالف المقصود من العقد.
ب-أنواعه: لهذا الضرب سبعة أنواع تؤخذ من ضوابطه…
الضرب الثاني من ضربي الشرط الفاسد:
هو ما يبقى التصرف معه صحيحا، إما لأن المشترط أسقطه، أو يبقى التصرف معه صحيحا سواء أسقطه المشترط أو لم يسقطه.
وبهذا يتبين أن هذا الضرب قسمان.
أحدهما: ما يحكم معه بصحة التصرف إذا أسقطه المشترط، وقد ذكره المالكية في أقسام الشرط الباطل. وضابطه عندهم: اشتراط أمر يناقض المقصود من البيع، أو يخل بالثمن فيه، أو يؤدي إلى غرر في الهبة.
فأنواعه على هذا ثلاثة:
النوع الأول: اشتراط أمر ينافي المقصود من البيع، كأن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع أو لا يهب، ونحو ذلك فإن هذا الشرط إذا أسقطه المشترط فإن البيع يصح.
النوع الثاني: اشتراط أمر يخل بالثمن، بأن يؤدي إلى جهالة فيه، بزيادة إن كان شرط السلف من المشتري، أو نقص إن كان من البائع، كبيع وشرط سلف من أحدهما؛ لأن الانتفاع بالسلف من جملة الثمن أو المثمن، وهو مجهول؛ فهذا الشرط إن حذفه المشترط صح العقد.
النوع الثالث: اشتراط أمر يؤدي إلى غرر، ومثاله في الهبة ما لو دفع إلى آخر فرسا ليغزو عليه سنين، وشرط الواهب أن ينفق الموهوب له عليه، أي الفرس، في تلك السنين، ثم تكون الفرس ملكا للمدفوع له؛ فلا يجوز ذلك للغرر.
القسم الثاني: ما يحكم معه بصحة التصرف سواء أسقطه المشترط، أو لم يسقطه.
وهذا القسم يتناول الشروط الباطلة التي تسقط ويصح معها التصرف عند الحنفية، والشروط الباطلة التي يصح معها التصرف عند المالكية، والشروط الفاسدة التي يصح معها التصرف عند الشافعية والحنابلة، وقد سبقت ضوابط ذلك.
وأنواعه ما يأتي:
النوع الأول: ذكره الحنفية وهو اشتراط ما لا يقتضيه العقد، ولا يلائم مقتضاه، ولم يرد شرع ولا عرف بجوازه، وليس فيه منفعة لأحد المتعاقدين، أو للمعقود عليه من أهل الاستحقاق.
ومثاله كما في “البدائع”: لو شرط أحد المزارعين في المزارعة على أن لا يبيع الآخر نصيبه ولا يهبه، فالمزارعة جائزة، والشرط باطل؛ لأن هذا الشرط لا منفعة فيه لأحد، فلا يوجب الفساد ، وهذا لأن فساد البيع في مثل هذه الشروط لتضمنها الربا، وذلك بزيادة منفعة مشروطة في العقد، لا يقابلها عوض، ولم يوجد في هذا الشرط، لأنه لا منفعة فيه لأحد؛ إلا أنه شرط فاسد في نفسه، لكنه لا يؤثر في العقد؛ فالعقد جائز، والشرط باطل.
النوع الثاني. ذكره المالكية وهو اشتراط البراءة من العيوب، أو من الاستحقاق، فإذا باع عَرَضا أو حيوانا، على البراءة من العيوب، ثم اطلع المشتري على عيب قديم فيه؛ كان له رده ولا عبرة بشرط البراءة.
النوع الثالث: اشتراط ما يخالف أو ينافي مقتضى العقد، دون الإخلال بمقصوده، وهذا النوع ذكره المالكية والشافعية والحنابلة.
ومن أمثلته عند المالكية: ما لو اشترط رب الوديعة على المودع ضمانها؛ فلا ضمان عليه إذا تلفت في محل لا ضمان عليه فيه؛ لأن يد المودع يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتعدي؛ الوديعة من الأمانات، فلا يضمن إذا تلفت في هذه الحالة، فيلغى الشرط وتصح الوديعة.
ومن أمثلته عند الشافعية: ما لو قال: أعمرتك هذه الدار سنة. فعلى الجديد: لو قال مع قوله: أعمرتكها، فإذا مت عادت إلي أو إلى وارثي؛ فكذا هي هبة وإعمار صحيح في الأصح. وبه قطع الأكثرون كما في الروضة؛ فيلغو ذكر الشرط.
ومن أمثلته عند الحنابلة: ما لو اشترط أن لا خسارة عليه، أو شرط أنه متى نفق المبيع وإلا رده؛ فهذا الشرط لا يبطل البيع.
النوع الرابع: اشتراط أمر يؤدي إلى جهالة، أو أمر غير مشروع؛ كما لو باع بقرة وشرط أن تدر كل يوم صاعا؛ فإن ذلك لا يصح لعدم القدرة عليه، ولعدم انضباطه” انتهى.
هذا وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إلى أن الأصل في الشروط الصحة، ولو خالفت مقتضى العقد، ما لم تخالف مقصود العقد، أو مقصود الشارع من العقد، مثل اشتراط الولاء لغير المعتق، أو اشتراط شرط يؤدي للربا، كبيع العِينة.
وللتوسع في هذه المسألة: ينظر:
“حكم الشروط المقترنة بالعقود في الفقه الإسلامي” للدكتور نعمان بن مبارك جغيم، بحث منشور في مجلة الحكمة، عدد 16، 1998م.
وبحث: “الشرط الجزائي” إعداد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ومنشور ضمن أبحاث هيئة كبار العلماء (1/ 151- 296).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب