هل يجوز بناء مسجد كمسجد النبي وحجرات كحجرات زوجاته للتفكر في طريقة عيشه صلى الله عليه وسلم، مع عدم الإشارة إلى أي شيء؛ كي لا يحس الناس، ويتخده بعض الجهال مكانا مقدسا؟
هل يشرع بناء مسجد و حجرات كالتي عاش فيها النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال: 281602
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
بناء المساجد من القربات العظيمة، والأعمال الجليلة ذات النفع الدائم المتعدي للغير، ففيها تقام الصلوات، وتعقد الدروس والمحاضرات، ويرفع لواء الدين ، وتنشر الشريعة ، ويحفظ الكتاب، وتقرأ السنة، وللباني مثل ذلك من الأجور العظيمة والحسنات المتتابعة.
وله أجر خاص على بنائه ، كما روى البخاري(450)، ومسلم(533) عن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ.
وفيه الترغيب في بناء المساجد الكبيرة، ليكون له مثله في الجنة.
والصلاة في المسجد الأكثر جماعة أكثر أجرا من الصلاة في غيره، كما روى أحمد (21265) عن أبي بن كعب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: … وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته مع رجلين أزكى من صلاته مع رجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله وحسنه محققو المسند.
لكن لو بنى مسجدا صغيرا، كان له الأجر أيضا، كما روى ابن ماجه (738) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ.
والقطا طائر معروف، ومَفحص القطاة بفتح الميم: موضعها الذي تجثم فيه، وتبيض، وخصصت القطاة بهذا لأنها لا تبيض في شجر ولا على رأس جبل، إنما تجعل مجثمها على بسيط الأرض دون سائر الطيور، فلذلك شبه به المسجد. ينظر: "حياة الحيوان للدميري".
قال أهل العلم: وهذا مذكور للمبالغة، أي ولو كان المسجد بالغا في الصغر إلى هذا الحد.
ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن كبيرا، وكان سقفه من الجريد، وليس مفروشا، بل أرضه الحصباء، ولا كهرباء فيه.
ولو بني مثل هذا المسجد في المدن اليوم لكان مدعاة للزهد فيه، والبعد منه، ولترك أكثر الناس الصلاة فيه.
ومادة بناء المسجد، بل وشكله، وهيئته: كل هذه الأمور ليست توقيفية، حتى يسن الاقتداء بها، وتقليدها، والبناء على شاكلتها، إنما هي راجعة إلى أحوال الناس، وما يتعارفون في عيشهم، وبنائهم، ومسكنهم.
لكن الذي فيه الأسوة: تعظيم المسجد، وتطهيره، وصيانته، وتنظيفه، وتطييبه. مع عدم المغالاة في تشييده وبنائه، بل الوسط من كل شيء حسن طيب. فلا يزهد الناس فيه بهيئة بنائه، حتى يتركوه، فلا هم صلوا في بناء يعتادونه، ويألفون مثله، ولا هذا هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، حقيقة، فيحتملون حاله، لأجل شرف المسجد في نفسه!!
والحاصل:
أنه لا معنى لبناء المسجد لما ذكرت، ولا فائدة ترجى من ورائه، فإن وسوف يكثر الناس السؤال عن ذلك، وبدلا من أن يكون مذكرا بعيش النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، سوف يكون مدعاة للقيل والقال، وكثرة السؤال!!
والشريعة رغبت في الإنفاق والبذل، فمن أعطاه الله المال، فليبن ما تكثر فيه الجماعة، ويكون مرغبا للناس في الحضور إليه، والمكث فيه.
قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ آل عمران/92.
ولهذا لما كثر الصحابة ووسع الله عليهم زادوا في المسجد، وهكذا فعل من بعدهم، ولم يقل أحد إن البقاء على الصورة الأولى أفضل.
فالمشروع أن يبني الإنسان مسجدا على قدر استطاعته، مناسبا للمكان، تسعمل فيه الكهرباء والمراوح أو المكيفات، ويفرش باالفرش المناسب، مع البعد عن الزخرفة والزينة.
وقد بوب البخاري في صحيحه : " باب بنيان المسجد ، وقال أبو سعيد : كان سقف المسجد من جريد النخل – يعني مسجد النبي صلى الله عليه وسلم- ، وأمر عمر ببناء المسجد وقال: أَكِنّ الناسَ من المطر ، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس ، وقال أنس : يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا ، وقال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى " انتهى .
وروى أبو داود (448) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى". والحديث صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
قال الخطابي رحمه الله: التشييد: رفع البناء وتطويله .
وأما بناء الحجر حوله- وهي تسع حجر- وتبقى خالية، فهذا من تضييع المال، ولا فائدة ترجى من وراء ذلك، لا اعتبار ولا غيره، لا سيما مع قولك: مع عدم الإشارة إلى أي شيء.
وأما ما توهمته من مصلحة التذكير بعيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنه لا يحصل بمثل ذلك الأمر، الذي يقرب من التمثيل والعبث، وإنما يحصل بالتذكير والموعظة الحسنة بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه، من الزهد في الدنيا، وضيق العيش، حتى لا يركن الناس إلى الدنيا، أو يأسى الفقراء على حالهم.
وبهذا يعرف الناس سيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويعتبروا بها، مع حضورهم للمساجد التي يجدون فيها راحتهم وأنسهم.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب