أنا طالبة بالجامعة، منذ فترة انقطعت الإعانة عني، وأبي كبير بالسن، ويستأمني على ماله في تسديد الفواتير، نحن الآن في فصل الشتاء، ووالدي يحتاج إلى ثياب وجاكيت، والأهم أنه يمرض، ولا يتحمل البرد كالسابق، وأنا لم أعد أستطع أن أساعده، وهو يرفض أن يشتري لنفسه؛ لأنه يرى أن جمع المال لنا وتركه في حال موته أولى من أن يشتري لنفسه ثوبا واحدًا حتى، أنا لا أريد أن أطلب من إخوتي الأولاد؛ لأنه سبق وأن فعلت فرفضوا؛ لأنهم يرون أن لديه المال، فلماذا لا يشتري لنفسه، وليس لأنهم عاقين. فهل يجوز أن آخذ من ماله ما يكفي لأن أشتري له ثيابا وجاكيتا بدون أن يعلم، وأن أعترف له إذا تخرجت وتوظفت فأرد له المبلغ، وأخبره بالحقيقة ؟
والدها يحتاج إلى ثياب ولا يريد أن ينفق على نفسه فهل تأخذ من ماله دون علمه وتشتري له؟
السؤال: 284400
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الأصل تحريم مال المسلم، فلا يجوز أخذ شيء منه إلا بطيب نفسه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ رواه أحمد (20172)، وصححه الألباني في “إرواء الغليل” (1459).
وقوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا رواه المسلم (1218).
واستثني من ذلك ما لو قصر الرجل في النفقة الواجبة على زوجه وعياله، فإن لهم أن يأخذوا من ماله دون علمه، بالمعروف؛ لما روى البخاري (5364)، ومسلم (1714) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : ” أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ .
وأما أن تأخذي من مال والدك ، لتنفقي عليه في كسوة أو غيرها، فلا يجوز ذلك دون علمه، ما دام عاقلا مدركا؛ لأن نفقته على نفسه إن كان قادرا، ولا سلطان لك على ماله لتتصرفي فيه دون إذنه.
والسبيل أمامك هو إقناعه بشراء الملابس في الشتاء، وذلك من وجوه:
الأول: أن صدقة الإنسان على نفسه مستحبة، كما روى أبو داود (1691) والنسائي (2535) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: “أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّدَقَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ – أَوْ قَالَ: زَوْجِكَ -، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ ” والحديث حسنه الألباني.
الثاني: أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، كما روى النسائي (523) وأبو داود (4062) عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: “كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآنِي رَثَّ الثِّيَابِ فَقَالَ: أَلَكَ مَالٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ كُلِّ الْمَالِ، قَالَ: فَإِذَا آتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ أَثَرُهُ عَلَيْكَ والحديث صححه الألباني.
الثالث: أن الإنسان مأمور بحفظ بدنه، وعدم تعريضه للتلف، كما قال تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ النساء/195.
فإن لم يستجب والدك لذلك، فينبغي أن يقوم بهذا أولاده، وألا يتقاعسوا عن ذلك بحجة أن معه المال، وكيف يرضى الابن لأبيه أن يكون محتاجا لما يلبسه، أو أن يظهر في مظهر المحتاج، ثم لا يجود عليه بما يملك.
فلا تتردي في تذكير إخوتك، ودعوتهم للبر والإحسان والصلة.
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب