نحن نسكن في بيت له حديقة، وكل فترة يكون هناك أطفال يلعبون بكرة القدم بجوار حديقتنا، فتسقط كرتهم عندنا بشكل متكرر، ويزعجوننا حين يتصلون بنا؛ لكي نعيد لهم كرتهم، وبالإضافة لذلك فهم يزعجوننا بصياحهم، وتبادل الشتائم الشنيعة عندما يلعبون مع بعضهم، ولقد نصحناهم تكرارا، لكنهم لم يستجيبوا لنا، فهل يجوز لنا ألا نرجع لهم كرتهم عندما تسقط في حديقتنا لكي نتخلص من أذاهم؟
تسقط كرة الأطفال في حديقتهم وتؤذيهم فهل لهم أخذها
السؤال: 284936
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ما يقوم به الأطفال من إزعاجكم ينبغي معالجته بالشكوى إلى أهاليهم ليمنعوهم من الشتائم والأذى ، أو من اللعب بالقرب منكم.
فإن لم يمنعوهم ، ولم يندفع أذاهم بشكايتهم إلى أهاليهم ، فلكم أن تمنعوهم من اللعب ، برش الماء في مكان اللعب ، مثلا ، أو غير ذلك ، مما يمنعهم من إزعاج أهل المكان ، أو أذيتهم .
فإن لم يمنكم ذلك ، أو لم يندفع أذاهم به ، ولم يمكنكم منع الكرة من السقوط في منزلكم ؛ فلكم أن تحبسوها عندكم ، إذا سقطت ، حتى إذا انتهى وقت اللعب ، رددتموها إليهم .
وبهذا يندفع أذاهم عنكم .
فإذا لم يندفع أذاهم بذلك ، ولم يمكن دفعهم إلا بإتلاف الكرة إذا سقطت عندكم : فالظاهر أنه لا حرج عليكم في ذلك ، إذا علمتم أن أذاهم لا يندفع إلا بذلك .
ويكون إتلاف مال المعصوم هنا شبيها بدفع الصائل ، فإنه يدفع بالأخف فالأخف ، فإن لم يندفع إلا بالأشد وهو إتلافه ، جاز ذلك .
قال ابن قدامة رحمه الله :
” كل من قصد إنساناً في نفسه، أو أهله، أو ماله، أو دخل منزله بغير إذنه، فله دفعه .. ” .
ثم قال :
” ويدفع الصائل بأسهل ما يمكن الدفع به، فإن أمكن دفعه بيده، لم يجز ضربه بالعصا، وإن اندفع بالعصا، لم يجز ضربه بحديدة، وإن أمكنه دفعه بقطع عضو، لم يجز قتله، وإن لم يمكن إلا بالقتل، قتله ولم يضمنه؛ لأنه قتل بحق فلم يضمنه، كالباغي.
وإن قتل الدافع، فهو شهيد، وعلى الصائل ضمانه، للخبر ولأنه قتل مظلوماً، فأشبه ما لو قتله في غير الدفع. فإن أمكنه دفعه بغير قطع شيء منه، فقطع منه عضواً، ضمنه، وإن أمكنه دفعه بقطع عضو، فقتله، أو قطع زيادة على ما يندفع به، ضمنه؛ لأنه جنى عليه بغير حق، أشبه الجاني ابتداء، ولأنه معصوم أبيح منه ما يندفع به شره، ففيما عداه يبقى على العصمة.
فإذا ضربه فعطله، لم يجز أن يضربه أخرى؛ لأنه قد انكف أذاه وهو المقصود. وإن قطع يده، فولى عنه، فضربه، فقطع رجله، ضمن رجله؛ لأنها قطعت بغير حق، ولم يضمن اليد؛ لأنها قطعت بحق. وإن مات منهما، فلا قصاص في النفس؛ لأنه من مباح ومحظور، ويضمن نصف ديته.” . انتهى من “الكافي” (4/112-113) .
وقال أيضا :
” وإن صالت عليه بهيمة، فله دفعها بأسهل ما تندفع به، فإن لم يمكن إلا بالقتل فقتلها، لم يضمنها؛ لأنه إتلاف بدفع جائز، فلم يضمنه، كدفع الآدمي الصائل ولأنه حيوان قتله لدفع شره؛ أشبه الآدمي.” انتهى ، من “الكافي” (4/114) .
وقد سئل الشيخ عليش المالكي رحمه الله :
( مَا قَوْلُكُمْ ) فِي رَجُلٍ مِنْ زَارِعِي الذُّرَةِ، مَرَّ بِزَرْعَتِهِ ، فَوَجَدَ جَامُوسَةً تَأْكُلُ فِيهَا ، فَطَبَّقَ عُودًا مِنْ الذُّرَةِ وَضَرَبَهَا كَيْ يُخْرِجَهَا ، فَبَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَلْقَتْ جَنِينَهَا ، فَمَاذَا يَكُونُ الْعَمَلُ إذَا نَازَعَ رَبُّهَا الضَّارِبَ ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ . ” .
فأجاب :
“الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ .
إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ إخْرَاجُهَا مِنْ الزَّرْعِ عَلَى ضَرْبِهَا بِمَا ذُكِرَ ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ : إنَّ إلْقَاءَهَا جَنِينَهَا مِنْ الضَّرْبِ : قِيمَتُهُ إنْ نَزَلَ حَيًّا وَمَاتَ ، مَعَ مَا نَقَصَتْهُ الْأُمُّ بَعْدَ الْبُرْءِ ، وَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا ضَمِنَ الثَّانِيَ فَقَطْ .
وَإِنْ تَوَقَّفَ إخْرَاجُهَا مِنْهُ عَلَيْهِ [أي: على الضرب] ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ صَائِلَةٌ ، وَدَفْعُ الصَّائِلِ عَنْ الْمَالِ جَائِزٌ.
وَإِنْ لَمْ تَشْهَدْ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ : فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَيْضًا ، لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَالذِّمَّةُ الْبَرِيئَةُ لَا تُشْغَلُ إلَّا بِمُحَقَّقٍ .
قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ : وَيَجُوزُ دَفْعُ الصَّائِلِ مِنْ بَهِيمَةٍ، أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ كَبِيرٍ عَاقِلٍ، أَوْ غَيْرِ عَاقِلٍ، عَنْ النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالْمَالِ.
وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ : جَازَ قَتْلُهُ ، قَصْدًا ، ابْتِدَاءً . وَإِلَّا ، فَلَا .
وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْهُرُوبِ ، مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ : لَمْ يَجُزْ لَهُ ، التَّعَرُّضُ لَهُ ، بِجُرْحٍ، أَوْ غَيْرِهِ اهـ . والله أعلم” انتهى من “فتح العلي المالك” (4/178) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب