ما هو أثر عائشة رضي الله عنها في الاقتصار على مسح بعض الرأس؟ وحكم الأخذ به للتيسير؟ ولماذا يفرق به الإمام ابن حنبل رحمه الله بين الرجل والمرأة؛ لأنه لم يرد نص عن التفريق بين الرجل والمرأة في هذا الجانب؟
هل يفرق بين الرجل والمرأة في مسح الرأس في الوضوء؟
السؤال: 286273
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
الذي وقفنا عليه مسندا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أنها مسحت جميع رأسها ، فقد روى النسائي (100) عن عائشة: ” أنها وَضَعَتْ يَدَهَا فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهَا، ثُمَّ مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَسْحَةً وَاحِدَةً إِلَى مُؤَخَّرِهِ، ثُمَّ أَمَرَّتْ يَدَهَا بِأُذُنَيْهَا” الحديث، وصحح إسناده الألباني في “صحيح سنن النسائي” .
لكن صح عن ابن عمر الاكتفاء بمسح بعض الرأس .
روى عبد الرزاق (1/6) عن نافع: “أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْوَضُوءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً الْيَافُوخَ قَطْ “.
وروى ابن أبي شيبة (1/22) بأسانيد صحيحة عن ابن عمر: “أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً” .
قال ابن حجر : “وَصَحَّ عَن ابن عمر الِاكْتِفَاء بمسح بعض الرَّأْس ، قَالَه ابن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَة إِنْكَار ذَلِك ، قَالَه ابن حَزْمٍ ” انتهى من “فتح الباري” (1/293).
وقد روي عَنْ جماعة من التابعين الترخيص في ذلك ، فروي عن عَطَاءٍ، فِي الْمَرْأَةِ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَمْسَحَ رَأْسَهَا، قَالَ: “تُدْخِلُ يَدَيْهَا تَحْتَ الْخِمَارِ، فَتَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهَا؛ يُجْزِئُ عَنْهَا”. رواه ابن أبي شيبة (1/30) .
وروي عنه مرفوعا “أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ” رواه ابن أبي شيبة (1/160) وغيره ، ولكنه مرسل ، ومراسيل عطاء من أضعف المراسيل .
وأما ما روي عن عائشة رضي الله عنها من أنها كانت تمسح مقدم رأسها ، فلم نجده في الكتب المسندة ، لكن ذكره الإمام أحمد محتجا به.
قال في المغني : “وَقَالَ مُهَنَّا: قَالَ أَحْمَدُ: أَرْجُو أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَسْهَلَ، قُلْت لَهُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَمْسَحُ مُقَدَّمَ رَأْسِهَا” انتهى من “المغني” (1/86) .
ثانياً:
أما عن مسح الرأس للمرأة ، فللإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فيه روايتان :
الرواية الأولى: أنها هي والرجل سواء في مسح الرأس ، فيجب الاستيعاب .
الرواية الثانية: أنها تمسح جزءا من رأسها، بخلاف الرجل، وهذه الرواية صححها كثير من أتباع الإمام أحمد . ينظر “المغني” (1/87) .
وسبب تخفيف الإمام أحمد في مسح الرأس للمرأة : الاختلاف في أصل المسألة ، إضافة إلى ما احتج به رحمه الله من فعل عائشة رضي الله عنها .
قال حرب الكرماني :
” سئل أحمد : كيف تمسح المرأة برأسها؟ قال “من تحت الخمار، ولا تمسح على الخمار.
قيل له : فتمسح الرأس كله؟
قال: قد قال بعضهم: تمسح مقدم رأسها، واختلفوا فيه.
فكأنه رخص فيه، ومذهبه: أن تمسح الرأس” انتهى من “مسائل حرب” ص(125).
والأولى عدم الاقتصار على مقدم الرأس ؛ لقوة الأدلة الدالة على استيعاب الرأس في المسح ، وعدم وجود أدلة صحيحة صريحة مرفوعة في الرخصة في ذلك .
قال ابن القيم : “وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ [يعني النبي صلى الله عليه وسلم] فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَسْحِ بَعْضِ رَأْسِهِ الْبَتَّةَ، وَلَكِنْ كَانَ إِذَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ كَمَّلَ عَلَى الْعِمَامَةِ” انتهى من “زاد المعاد” (1/187) .
ومن أخذ بالقول بالتخفيف عن المرأة في مسح الرأس فلا ينكر عليه ؛ لقوة الخلاف في المسألة ؛ مع أن القول المختار في موقعنا هو القول باستيعاب الرأس بالمسح .
وسُئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :
هل يسن للمرأة عند مسح رأسها في الوضوء أن تبدأ من مقدم الرأس إلى مؤخره ثم ترجع إلى مقدم الرأس كالرجل في ذلك ؟
فأجاب:
“نعم . لأن الأصل في الأحكام الشرعية أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء، والعكس بالعكس ، ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلى بدليل ، ولا أعلم دليلاً يخصص المرأة في هذا.
وعلى هذا؛ فتمسح من مقدم الرأس إلى مؤخره ، وإن كان الشعر طويلاً فلن يتأثر بذلك ، لأنه ليس المعنى أن تضغط بقوة على الشعر حتى يتبلل أو يصعد إلى قمة الرأس ، إنما هو مسح بهدوء” انتهى من “مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين” (11/151) .
وينظر جواب السؤال: (147140).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة