0 / 0
53,99920/05/2018

خلاف العلماء فى حكم الإصرار على الصغيرة هل تصير كبيرة بالإصرار

السؤال: 287592

قرأت على موقعكم كثيرا أن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة ، فتخرج بذلك بكونها من اللمم المغفور ، ولكن سؤالي أني قد سمعت أحد الدعاة يقول : إن الاصرار على الصغيرة لا يجعلها كبيرة ، وإنما تصبح كبيرة فقط فى حالة الاستهتار والاستهانة بالصغيرة ، أما مجرد الإصرار دون استهتار أو استهانة لا يجعها كبيرة ، والقول الأول : وهو أن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة قول جمهور العلماء ـ رحمهم الله ـ
، ورجحه ابن القيم ، وابن تيمية ، واستدل أصحاب القول الأول بحديث ( لا صغيرة مع الإصرار ) ، وهذا الحديث روي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عدة طرق عن عدد من الصحابة ، منهم ابن عباس ، وأنس ، وعائشة ، وغيرهم ، ولكن جميع هذه الطرق ضعيفة ، ضعفها ابن رجب ـ رحمه الله ـ في “شرح الأربعين” ، والألباني ـ رحمه الله ـ في “السلسلة الضعيفة” ، وروي هذا الحديث موقوفاً عن ابن عباس ، وموقوفاً عن أنس بسند صحيح ، والقول الثانى : هو قول بعض أهل العلم ، ورجحه الشوكاني أن الإصرار على الصغيرة صغيرة ، ولا يجعلها كبيرة ، واستدل أصحاب القول الثاني بأن هذا لا دليل عليه .
فسؤالى هنا على هذا الكلام صحيح أن المسألة خلافية ، فأرجو بيان خلاف العلماء ، وأدلة الفريقين ، وبيان العلماء الذين نصروا القول الثانى ، حيث لم أعثر على كلام الشوكانى ، وابن رجب فى نصرة القول الثانى ، أو إحالتى إلى مرجع يعرض أدلة الفريقين بأسلوب علمى يسهل فهمه ، حتى لا ننكر على المخالفين .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

جمهور الفقهاء على أن اللمم هو صغائر الذنوب. كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم 🙁22422) .

ثانيا:

الصغيرة ما ليس فيها حد في الدنيا، ولا وعيد خاص في الآخرة، بلعن أو غضب.

سُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ . هَلْ لَهَا حَدٌّ تُعْرَفُ بِهِ ؟

فأجاب : أَمْثَلُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا ، وَهُوَ : أَنَّ الصَّغِيرَةَ مَا دُونُ الْحَدَّيْنِ : حَدُّ الدُّنْيَا وَحَدُّ الْآخِرَةِ .

وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : مَا لَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا .

وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ : كُلُّ ذَنْبٍ خُتِمَ بِلَعْنَةِ أَوْ غَضَبٍ أَوْ نَارٍ ، فَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ .

وَمَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ : وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ فِي الدُّنْيَا ، وَلَا وَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ ؛ أَيْ : ” وَعِيدٌ خَاصٌّ ” كَالْوَعِيدِ بِالنَّارِ وَالْغَضَبِ وَاللَّعْنَةِ .

وَكَذَلِكَ كُلُّ ذَنْبٍ تُوُعِّدَ صَاحِبُهُ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، وَلَا يَشُمُّ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ . وَقِيلَ فِيهِ : مَنْ فَعَلَهُ فَلَيْسَ مِنَّا ، وَأَنَّ صَاحِبَهُ آثِمٌ ؛ فَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ ” .

انتهى باختصار من “مجموع الفتاوى” (11/650- 652).

ثالثا:

اختلف أهل العلم في الإصرار على الصغيرة هل يجعلها كبيرة أم لا؟ على قولين:

القول الأول: أن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، وإليه ذهب الجمهور، كما حكاه النووي وغيره، واختاره ابن تيمية وابن القيم وابن رجب وغيرهم.

القول الثاني: أن الإصرار على الصغيرة لا يجعلها كبيرة، وإليه ذهب بعض أهل العلم، كالشوكاني رحمه الله.

وحجة القول الأول ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ” لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ، وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ” رواه البيهقي ، بنحوه ، في “شعب الإيمان” (6882) ، وغيره .

وقد روي مرفوعا، ولا يصح. وينظر: “السلسلة الضعيفة” (4810).

وقال العراقي في تخريج الإحياء: “وَرَوَى أَبُو مَنْصُور الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أنس قَوْله: لَا صَغِيرَة مَعَ الْإِصْرَار، وَإِسْنَاده جيد” انتهى من “المغني عن حمل الأسفار” (ص1353).

وينظر: “تبييض الصحيفة” للشيخ محمد عمرو عبد اللطيف، رحمه الله، الحديث التاسع والأربعون.

ومن حجتهم: أن الإصرار على الصغيرة يدل على الاستهانة وقلة المبالاة، وهذا ينافي تعظيم الله تعالى.

قال النووي رحمه لله “في شرح مسلم” (2/ 86): ” قَالَ الْعُلَمَاء رَحِمَهُمْ اللَّه: وَالإِصْرَار عَلَى الصَّغِيرَة يَجْعَلهَا كَبِيرَة.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ: لا كَبِيرَة مَعَ اِسْتِغْفَارٍ، وَلا صَغِيرَة مَعَ إِصْرَار.

مَعْنَاهُ: أَنَّ الْكَبِيرَة تُمْحَى بِالاسْتِغْفَارِ ، وَالصَّغِيرَة تَصِير كَبِيرَة بِالإِصْرَارِ ” انتهى.

وقال ابن تيمية رحمه الله: “وَيُقَال : اللمم أَن يلمم بالذنب الصَّغِير مرّة ، من غير إِصْرَار ؛ لِأَن من أصر على الصَّغِيرَة صَارَت كَبِيرَة ، كَمَا فِي التِّرْمِذِيّ : (لَا صَغِيرَة مَعَ إِصْرَار ، وَلَا كَبِيرَة مَعَ اسْتِغْفَار) .

فقد جَاءَ الْكتاب وَالسّنة بتكفير الصَّغَائِر لمن اجْتنب الْكَبَائِر ، وَهَذَا لَا ريب فِيهِ” .

انتهى من “مختصر الفتاوى المصرية” ، ص576

وقال ابن القيم رحمه الله : “الإصرار على الصغيرة : قد يساوي إثمه إثم الكبيرة، أو يُربِي عليها” انتهى من “إغاثة اللهفان” (2/151).

وقال ابن رجب رحمه الله: “فالمحسنُ: هو من لا يأتِي بكبيرة ، إلا نادرًا ، ثم يتوبُ منها .

ومن إذا أتى بصغيرة : كانتْ مغمورةً في حسناتِهِ المكفرةِ لها، ولا بُد أن لا يكونَ مصِرًّا عليها، كما قال تعالى: (وَلَمْ يصِرّوا عَلَى مَا فَعَلوا وَهُمْ يَعْلَمون) .

ورويَ عن ابن عباسِ أنَّه قالَ: لا صغيرةَ مع الإصرار، ولا كبيرةَ مع استغفار .

ورويَ مرفوعًا من وجوهٍ ضعيفة.

وإذا صارتِ الصغائرُ كبائرَ ، بالمداومةِ عليها، فلا بُدَّ للمحسنينَ من اجتنابِ المداومةِ على الصغائر، حتى يكونوا مجتنبينَ لكبائرِ الإثم والفواحشِ” .

انتهى من “جامع العلوم والحكم” (1/ 449).

وحجة القول الثاني: أنه لا دليل على أن الصغيرة تصير كبيرة بالإصرار.

قال الشوكاني رحمه الله: “وقد قيل: إن الإصرار على الصغيرة حكمه حكم مرتكب الكبيرة، وليس على هذا دليل يصلح للتمسك به، وإنما هي مقالة لبعض الصوفية ، فإنه قال: لا صغيرة مع إصرار.

وقد روى بعض من لا يعرف علم الرواية هذا اللفظ ، وجعله حديثا .

ولا يصح ذلك، بل الحق أن الإصرار حكمه حكم ما أصر عليه، فالإصرار على الصغيرة صغيرة، والإصرار على الكبيرة كبيرة” انتهى من “إرشاد الفحول” (1/ 146).

والحاصل أن هذه مسألة خلافية بين أهل العلم.

وبكل حال ؛ فالعاقل يحذر من الصغائر واجتماعها، فإنها إذا اجتمعت على المرأ أهلكته، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ، حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْه ) .

رواه أحمد (22302) من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وقال الحافظ : إسناده حسن اهـ.

وروى أحمد (3803) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلا : كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاةٍ ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا ، فَأَجَّجُوا نَارًا ، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا ) . حسنه الألباني في “صحيح الجامع” (2687).

وروى ابن ماجه (4243) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا عَائِشَةُ ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الأَعْمَالِ ، فَإِنَّ لَهَا مِنْ اللَّهِ طَالِبًا ) . صححه الألباني في “صحيح ابن ماجه” .

قال الغزالي رحمه الله : ” تواتر الصغائر عظيم التأثير في سواد القلب ، وهو كتواتر قطرات

الماء على الحجر ، فإنه يحدث فيه حفرة لا محالة ، مع لين الماء ، وصلابة الحجر” انتهى .

ولقد أحسن من قال :

لا تحقرنَّ صغيرةً  *  إنَّ الجبالَ من الحصى

وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح.

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android