سؤالي يتعلق بمسألة في كتاب “روضة الناظر” في مسألة اقتضاء الأمر الإجزاء أم لا ، حيث استدل أصحاب الرأي الثاني بأن الحج الفاسد يأمر بالمضي فيه مع وجوب القضاء ، فرد عليهم ابن قدامة ـ رحمه الله تعالى ـ ، ومن ضمن رده قال : والمفسد لحجه لا يقضي الفاسد ، إنما هو مأمور بحج خال عن الفساد ، آمل منكم توضيح هذه العبارة .
مسألة في أصول الفقه : هل الأمر يقتضي الإجزاء ؟
السؤال: 288392
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
إذا جامع الحاج امرأته قبل التحلل الأول فسد نسكه، ولزمه المضي في حجه ، والاستمرار فيه، ويجب عليه أن يقضيه في العام التالي ، مع ذبح بدنة يذبحها في القضاء وتوزع على فقراء الحرم .
وينظر جواب السؤال : (119134) .
فيجب عليه أن يستمر في حجه ، مع أنه لا يجزئه ولا تسقط به الفريضة ، بل لا تزال ذمته مشغولة بها .
ثانياً:
الصحيح أن الأمر يقتضي الإجزاء ، وهذا هو مذهب جمهور السلف والخلف .
وخالف بعضهم ، فقالوا : إن الأمر لا يقتضي الإجزاء ، ولا يمتنع وجوب القضاء ، مع حصول الامتثال .
واستدلوا لقولهم : بأن “الحج الفاسد مأمور بالمضي فيه مع وجوب القضاء” .
وبيان استدلالهم من وجهين :
الوجه الأول: أن الحج الفاسد مأمور بالمضي فيه ، وهو مع ذلك غير مجزئ .
الوجه الثاني: أن الإجزاء يعني سقوط القضاء ، فلو كان الأمر يقتضي الإجزاء، لسقط قضاء الحج الفاسد .
ورد عليهم ابن قدامة بقوله :
“والمفسد لحجه لا يقضي الفاسد ، إنما هو مأمور بحج خال عن الفساد” .
وتقرير كلام ابن قدامة من وجهين كذلك:
الوجه الأول: أن الخلاف بيننا في الحج الصحيح الخالي من المفسدات، أما الحج المستدل به فقد أفسده الحاج بالجماع قبل التحلل .
قال الطوفي رحمه الله :
” وَأُجِيبَ» ، يَعْنِي عَمَّا ذَكَرُوهُ، بِأَنَّ : عَدَمَ الْإِجْزَاءِ .. ، إِنَّمَا كَانَ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْمُصَحِّحَاتِ ، وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْوَطْءِ فِي الْحَجِّ .. ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ، إِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا إِذَا أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ بِجَمِيعِ مُصَحِّحَاتِهِ.” انتهى، باختصار من “شرح مختصر الروضة” (2/402) .
وقال القاضي عبد الوهاب: “لأنا لا نقول بالإجزاء على أي أمر وقع، وإنما يجزئ إذا وقع على الوجه المعتبر” انتهى، نقلا من “البحر المحيط” (3/ 339).
الوجه الثاني: أن الأمر بإتمام الحج إنما هو للخروج من الإحرام ؛ أي : حتى لا يبقى على إحرامه للسنة القادمة ، حيث يؤدي الحج على وجهه المأمور به .
قال ابن قدامة “والمفسد لحجه لا يقضي الفاسد ، بل هو مأمور بإتمام الحج للخروج من الإحرام، والأمر بالقضاء لوجود الخلل”.
وينظر: شرح هذا الفصل ، عند : الطوفي ، في “شرح مختصر الروضة” (2/399) وما بعدها ، وأيضا : “شرح روضة الناظر” ، للدكتور عبد الكريم النملة ، رحمه الله (5/332) وما بعدها .
وما قرره ابن قدامة في الروضة هو مذهب الجماهير من السلف والخلف.
قال الزركشي رحمه الله في “البحر المحيط” (3/ 338):
“إتيان المكلف بالمأمور به على المشروع : موجب للإجزاء عند الجمهور ، خلافا لأبي هاشم والقاضي عبد الجبار ، حيث قالا: الإجزاء يحتاج إلى دليل.
قال الأستاذ أبو منصور: وهو خلاف مردود بإجماع السلف على خلافه” انتهى .
وينظر : تحرير محل النزاع في المسألة ، وبيان أنه آيل إلى الخلاف اللفظي : عند سيف الدين الآمدي في “الإحكام في أصول الأحكام” (2/175-177) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة