ما حكم لبس البنطلون للرجال ؟ فعلى موقعكم في فتوى سابقة أنه يجوز ذلك ؛ لأنه لا دليل على تحريمه ، وعندما سألت شيخي في الجامع وأريته الفتوى رقم (105412) ، أنكر ذلك ، وقال لي : كيف لا يوجد شيء في السنة ينكر لبس البنطلون ، وقال لي حديث ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم (تسرولوا ، وأتزروا ، وخالفوا أهل الكتاب ، فإنهم يتسرولون ولا يأتزرون) ، وقال بأن المقصود بالإزار هو ما يلف على البدن ، وقال لي أنه في عصرنا هو : الدشداشة ، أو ما يسمى باللغة العربية الفصيحة بـالقميص ” ، فما صحة هذا الكلام ؟
هل يمنع لبس السراويل دون إزار لحديث (تسرولوا وائتزروا وخالفوا أهل الكتاب) ؟
السؤال: 293400
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الاجابة
أولا:
يباح لبس البنطلون، ولا يعد من التشبه بالكفار؛ لأنه ليس لباسا خاصا بهم، بل يلبسه الكفار ويلبسه غيرهم من قديم ، حتى قيل إن أول من لبسه إبراهيم عليه السلام.
وانظر: جواب السؤال رقم :(105412) ، ورقم : (105413) .
ثانيا:
الحديث المذكور رواه أحمد (22283) عن أبي أمامة قال: ” خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال: يا معشر الأنصار حمروا وصفروا، وخالفوا أهل الكتاب .
قال: فقلنا: يا رسول الله ، إن أهل الكتاب يتسرولون، ولا يأتزرون ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تسرولوا ، وائتزروا ؛ وخالفوا أهل الكتاب .
قال: فقلنا: يا رسول الله ، إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون.
قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فتخففوا وانتعلوا وخالفوا أهل الكتاب . قال: فقلنا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم ، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قصوا سبالكم ووفروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب والحديث صححه محققو المسند، وجود ابن مفلح إسناده في “الفروع” (2/ 79).
ولم نقف على من منع لبس السراويل دون إزار، من أهل العلم .
والظاهر أن المراد بالحديث: عدم الاقتصار على لبس السراويل، وتجنب الإزار كما يفعل أهل الكتاب، بل تلبس السراويل تارة، وتلبس الأزر تارة، وبهذا تحصل المخالفة لهم.
قال الشوكاني رحمه الله: ” وفيه الإذن بلبس السراويل ، وأن مخالفة أهل الكتاب تحصل بمجرد الاتزار في بعض الأوقات لا بترك لبس السراويل في جميع الحالات ، فإنه غير لازم ؛ وإن كان أدخل في المخالفة” انتهى من “نيل الأوطار” (2/ 101).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في شرح المنتقى: ” والسراويل معروف: ما يُلبس على نصفه الأسفل من المخيط برجلين، والإزار: ما يُلبس على النصف الأسفل، لكن من دون رجلين، فالإزار مُطلق، خرقة مطلقة يشدّها على وسطه، وهي أستر للمؤمن ، وأحسن من السراويل إذا كان ليس فوقه شيء؛ لأن السراويل قد تُبين حجم العورة، وقد تحصل بها فتنة، لكن الإزار يكون أستر وأكمل؛ لأنه لا يكون بين الرجلين شيء من الفضاء، فلا يحصل بذلك شيء من الفتنة . وكلاهما جائز ؛ إذا كانا ساترين ، فكلاهما جائز، لكن الإزار أكمل إذا ستر، وإن كانت السراويل أثبت وألزم من عدم السقوط، لكن ذاك أجمل وأكمل فيما يتعلق بكمال الستر.
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يلبس لباس العرب، وليس له لبس خاص إلا ما حرَّم الله عليه، مثل: زي المشركين، إذا كان لهم زي خاص فلا يتزيَّا بزيِّهم، كانت العرب تلبس هذا مع المسلمين: العمامة والقمص والأزر والسراويل، كل هذا من لبس العرب جميعًا: مسلمهم وكافرهم.
وفي حديث أبي أُمامة -الحديث الأول- أن الصحابة قالوا: يا رسول الله، إنَّ أهل الكتاب يتسرولون ولا يأتزرون! فقال: خالفوهم تسرولوا وائتزروا .
فهذا الحديث رواه أحمد رحمه الله بإسنادٍ حسنٍ من طريق زيد بن يحيى، عن عبدالله بن العلاء بن زبر، عن القاسم بن عبدالرحمن الدمشقي قال: سمعتُ أبا أمامة الباهلي رحمه الله يقول: خرج الرسولُ صلى الله عليه وسلم على مشيخةٍ من الأنصار بيض لحاهم، ….
ثم ذكر الحديث المتقدم ، ثم قال :
فهذا الحديث فيه أربع جملٍ مهمَّة، وهو حديث جيد، وإسناده حسن، والقاسم لا بأس به، وقد تكلم فيه بعضهم، لكن كلامهم فيه ليس بجيد، وهو ثقة، وقال بعضهم: صدوق، كالحافظ، وإنما الآفة تأتي من الرواة عنه، الذين يرون عنه: كعلي بن يزيد الألهاني وأشباهه، يأتي الضعف من جهتهم، وأما هو في نفسه فلا بأس به، وقد روى هذا الحديث العظيم، وهو حديث له شواهد في الأحاديث الصحيحة .
وهو دالٌّ على أنه لا بأس بالتَّسرول والاتِّزار، وهو الشاهد، فمَن شاء اتَّزر، ومَن شاء تسرول، ولا يقتصر على واحدٍ فقط، إن شاء هذا، وإن شاء هذا.
ويدل على المعنى هذا : حديث ابن عمر في “الصحيحين” كما في الإحرام، قال: “المحرم لا يلبس القميص، ولا العمائم، ولا السراويلات، ولا البرانس، ولا الخفاف” .
فدلَّ على أنها كلها ملابس لا بأس بها، القمص والسراويل والأزر والبرانس ؛ كلها ملابس لا بأس بها، لكن يُمنع المحرم من القميص والسراويل والبرانس والعمامة حال إحرامه، إلا عند العجز عن الإزار، فإنه يلبس السراويل كما هو معروف.
وفي حديث مالك بن عمير الدلالة على أنه اشترى السراويل، وذكر ابنُ القيم ذلك في كتابه “الهدي” .
فالإجماع مجمع على حلِّها ، وأنه لا بأس بها، وإن كان الغالب على العرب الأزر؛ لأنها أستر وأكمل، لكن السراويل جائزة ” انتهى من “موقع الشيخ ابن باز”:
http://bit.ly/2UG5WQe
ويدل على ما ذكرنا أمور:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لبس السراويل منفردة للمحرم، إذا لم يجد إزارا، ولو كان لبسها منفردة حراما لم يبحه.
روى البخاري (1843) ، ومسلم (1179) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: ” خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ، فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ، وَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ “.
الثاني: أن الحديث فيه: (فتخففوا وانتعلوا، وخالفوا أهل الكتاب) ولم يقل أحد إنه لا يجوز لبس الخف إلا مع النعل، وهذا يؤكد أن المراد: افعلوا هذا، وهذا، ولا تقتصروا على لبس الخفاف.
الثالث: أنه جاء عن جماعة من الصحابة والتابعين لبس السراويلات منفردة عن الأزر، أو القمصان.
روى البخاري (365) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ” قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ، فَقَالَ: أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ .
ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ، فَقَالَ: ” إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا ، جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ ، فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَمِيصٍ، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: فِي تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ “.
والتبان: سراويل صغير يستر العورة.
فأجاز عمر رضي الله عنه الصلاة في ” سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ” ولم يشترط الإزار والقميص فوقه.
وأجاز الصلاة في ” تُبَّانٍ وَرِدَاءٍ” أي سراويل إلى الركبة.
وفي “مصنف ابن أبي شيبة” ( 5/171 ) عن معاذ بن العلاء، عن أبيه، عن جده، قال: خطبنا عليٌّ بالكوفة وعليه سراويل .
وفيه ، عن أبي منصور : رأيت الشعبي وعليه سراويل .
وفيه عن أبي خلدة : رأيت أبا العالية عليه سراويل ، فقلت : ما لك وللسراويل ؟ قال : إنها من لباس الرجال” انتهى.
وروى البخاري في “الأدب المفرد” (346) عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: زَارَنَا سَلْمَانُ مِنَ الْمَدَائِنِ إِلَى الشَّامِ مَاشِيًا، وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ وَانْدَرْوَرْدُ – قَالَ: يَعْنِي سَرَاوِيلَ مُشَمَّرَةً. وحسنه الألباني في “صحيح الأدب المفرد”.
وروى ابن سعد في “الطبقات” (3/ 248) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ قَالَ : ” أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ مُتَجَرِّدًا فِي سَرَاوِيلَ قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى ظَهْرِهِ فِيهِ حَبَطٌ كَثِيرٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مِمَّا كَانَتْ تُعَذِّبُنِي بِهِ قُرَيْشٌ فِي رَمْضَاءِ مَكَّةَ ” .
وروى فيها (5/ 140) عَنْ عُثَيْمِ بْنِ نِسْطَاسٍ قَالَ: رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ شَهِدَ الْعَتَمَةَ فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ .
وعن النخعي، قال: الصلاة في التبان والرداء : أحب إلي من الصلاة في القميص والرداء.
قال ابن رجب رحمه الله: “والظاهر: أنه فضّل التبان والسراويل على الإزار؛ لأنه يواري العورة عن الأرض، فقد روي عنه: أنه كره أن يفضي بفرجه إلى الأرض في الصلاة” انتهى من “فتح الباري” (2/ 388).
الرابع: أن الفقهاء ينصون على صحة الصلاة في الثوب الواحد ومنها: السراويل منفردا.
قال ابن رجب: ” وكل ما يلبس على البدن فهو ثوب، سواء كان شاملا له أو لبعضه، وسواء كان مخيطا أو غير مخيط، فالإزار ثوب، والقميص ثوب، والقباء ثوب، والسراويل ثوب، والتبان ثوب” انتهى من “فتح الباري” (2/ 386).
ثم قال: “وأما أن يصلي في ثوب واحد، فقال الشافعي وأصحابنا: أفضل ذلك القميص، ثم الرداء، ثم الإزار، ثم السراويل.
ومن أصحاب الشافعي من قال: السراويل أولى من الإزار؛ لأنه أستر، وهذا مقتضى كلام النخعي كما سبق.
واستدل من رجّح الإزار: بأنه يتجافى عنه ، ولا يصف الأعضاء ، بخلاف السراويل.
وسئل الإمام أحمد: السراويل أحب إليك أم الميازر؟ فقال: السراويل محدث لكنه أستر.
وقال: أيضا – الأزر كانت لباس القوم، والسراويل أستر.
قال: والحديث: (من لم يجد الإزار فليلبس السراويل)، وهذا دليل أن القوم قد لبسوا السراويلات” انتهى من “فتح الباري” لابن رجب(2/ 388).
وقد نُقل عن الإمام أحمد أنه لا يجمع بين السراويل والإزار.
قال ابن مفلح رحمه الله: ” ويسن السراويل . وفي التلخيص لا بأس، قال صاحب النظم: وفي معناه التبان، وجزم بعضهم بإباحته، والأول أظهر ، خلافا للرعاية.
قال أحمد: السراويل أستر من الإزار، ولباس القوم كان الإزار.
فدل على أنه لا يجمع بينهما، وهو أظهر، خلافا للرعاية” انتهى من “الفروع” (2/ 79).
والحاصل:
أنه لا حرج في لبس السراويل منفردة دون إزار.
ونقول: على فرض أن لبسها منفرد كان من فعل أهل الكتاب، وأننا أمرنا بالجمع بين السراويل والإزار لعدم مشابهتهم ؛ فيقال :
إن الانفراد بلبس السراويل لم يعد الآن مختصا بأهل الكتاب ، بل فعله كثير من المسلمين، فتنتفي بذلك المشابهة، ويجوز لبسه ، كما هو مقرر عند أهل العلم في نظائره.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في “فتح الباري” (10/272) : ” وقد كره بعض السلف لبس البرنس ؛ لأنَّهُ كان من لباسِ الرهبانِ ، وقد سئل مالكٌ عنه فقال : لا بأس به ، قيل : فإنَّهُ من لبوس النصارى ، قال : كان يلبس ههنا ” انتهى . قلت : لو استدلَّ مالك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل ما يلبس المحرم ؟ فقال : ( لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرانس … ) لكان أولى” انتهى.
وفي “الفتح” أيضاً (10/307) : ” وإن قلنا النهي عنها ( أي : عن المياثر الأرجوان ) من أجل التشبُّه بالأعاجم : فهو لمصلحة دينية ، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار ، ثم لما لم يصر الآن يختص بشعارهم ، زال ذلك المعنى ، فتزول الكراهة ، والله أعلم ” انتهى .
تنبيه: الدشداشة هي القميص ، وما هو يلبس على البدن كله ، ويسميه العامة الثوب.
وأما الإزار: فهو ما يلبس على النصف الأسفل ، كالذي يلبسه المحرم على نصفه الأسفل من البدن .
فما جاء في السؤال من أن الإزار هو القميص، خطأ بين.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة