في كثير من الأحيان أقوم بالاستغفار على مدار اليوم ، على سبيل المثال ، أقول: ” أستغفر الله ” أو ” اللهم اغفر لي ” ، فهل من الضروري أن أثني على الله تعالى ، وأصلي على النبي في كل مرة قبل البدء بالاستغفار ؟ وهل يعتبر ذلك من الدعاء ؟ لأنني أفعل هذا كثيرا، ويصبح مرهقا ، أيضا لديّ نفس السؤال لكن بدلاً من ذلك أستعيذ بالله ، مثل قول: ” أعوذ بالله ” أو ” أعوذ بك من ” …الخ. فهل يعتبر هذا دعاء أيضا ؟ وهل يجب أن أثني على الله وأصلي على النبي في كل مرة قبل القيام بهذا ؟
هل يثني على الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الاستغفار ؟
السؤال: 295485
ملخص الجواب
الثناء على الله وتمجيده والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مستحب قبل الدعاء، وليس بواجب ، ولكن إذا تقيد المرء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء كان أفضل ، ومن اختار لنفسه من الدعاء أعجبه ، وأرجاه لحاجته: فلا حرج عليه .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
الثناء على الله تعالى بحمده وشكره ، وذكر بعض أسمائه الحسنى وصفاته العلى ، والاعتراف بين يديه سبحانه وتعالى بالذل والفقر إليه ؛ من الأمور المستحبة قبل الدعاء ، ومن أسباب استجابة الدعاء .
فعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : ” سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَجِلَ هَذَا . ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ : إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ ” رواه أبو داود (1481) ، والترمذي (3477) وقال : حسن صحيح .
ومن أمثلة تمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ : اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ حَقٌّ ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ : فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ – أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ – رواه البخاري (1120) ومسلم (769) .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : ” فيه استحبابُ تقديم الثناء على المسألة عند كلِّ مطلوب ، اقتداءً به صلى الله عليه وسلم ” انتهى من ” فتح الباري ” (3/5).
وينظر لمزيد من التفصيل جواب السؤال رقم : (138812).
ثانيًا:
الاستغفار هو طلب المغفرة من الله تعالى ، فهو من جنس الدعاء والسؤال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” الِاسْتِغْفَارَ هُو طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ ، وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ ” انتهى من “منهاج السنة النبوية” (6/ 210).
والاستعاذة معناها : الالتجاء إلى الله من شرِّ كل ذي شرٍّ ، فهي تقال لدفع الشرور عن الإنسان ، فكأن المستعيذ يقول : أستجير بجناب الله من الشيطان الرجيم أن يضرني في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل ما أمرت به أو يحثني على فعل ما نهيت عنه ، ولذلك فهي من جنس الدعاء والسؤال أيضًا .
وإذا كان الاستغفار والاستعاذة من جنس الطلب والسؤال ؛ فلا مانع من الثناء على الله وتمجيده ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبلهما من حيث الأصل، وهذا إذا كان العبد سوف يستغفر الله ، بصيغة من عنده ، فله أن يحمد الله ، ويثني عليه ، ثم يستغفر الله ويتوب إليه، وهذا كله حسن، لا حرج فيه.
وأما المأثور من صيغ الاستغفار: فمنها ما اقترن بالثناء على الله ، وتمجيده قبل الاستغفار.
ومن ذلك: سيد الاستغفار: روى البخاري (6306) عن شَدَّاد بْن أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ .
قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ .
فتأمل، كيف بدأ دعاءه واستغفاره: بالثناء على الله، وتمجيده بما هو أهله، والإقرار له بربوبيته، والخضوع له بالعبودية؛ ثم في آخره: استغفر ربه من ذنبه. وهذا أعظم صيغ الاستغفار.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: ” كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ” يَتَأَوَّلُ القُرْآن.
رواه البخاري (817)، ومسلم (484).
وفي رواية لمسلم (484- 220): عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَاكَ تُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: خَبَّرَنِي رَبِّي أَنِّي سَأَرَى عَلَامَةً فِي أُمَّتِي، فَإِذَا رَأَيْتُهَا أَكْثَرْتُ مِنْ قَوْلِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَدْ رَأَيْتُهَا إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ [النصر: 1]، فَتْحُ مَكَّةَ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر: 3] “.
وأشباه هذه الصيغ، التي ورد الاستغفار فيها مسبوقا بالحمد لله، أو تمجيده ، أو الثناء عليه: كثيرة معروفة في كتب السنة .
وثبت في السنة أيضا : صيغ أخرى للاستغفار، لم تسبق بذكر ، ولا ثناء ، ولا تمجيد. فمنها :
ما جاء عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي وَخَطَئِي وَعَمْدِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ رواه البخاري (5919)، ومسلم (4896)، وهذا لفظ مسلم .
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : ” إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ، وَتُبْ عَلَيَّ ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ أخرجه أبو داود (1516)، وابن ماجه (3814)، وصححه الألباني في “صحيح أبي داود”.
وفي هذين الحديثين طلب المغفرة من الله ، إلا أنه لم يذكر فيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على الله قبلهما .
وفي صحيح مسلم (2702) عَنِ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ .
وعن ثَوبانَ – رضي الله عنه – قَالَ : ” كَانَ رَسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثَاً ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلاَمُ ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ ، تَبَارَكْتَ يَاذَا الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ قِيلَ لِلأوْزَاعِيِّ – وَهُوَ أحَدُ رواة الحديث – : كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ ؟ قَالَ : يقول : أسْتَغْفِرُ الله ، أسْتَغْفِرُ الله . رواه مسلم (591).
فهذه كلها من صيغ الاستغفار، التي وردت في السنة ، من غير أن تأتي مسبوقة بالثناء على الله ، وأمثالها كثير .
وحاصل ذلك :
أن من أراد الاستغفار، بإحدى هذه الصيغ الواردة ، فليلزمها على ما أتت به ؛ فما كان منها مسبوقا بالثناء ، أتى به ، وما كان منها مجردا منه: أتى بالصيغة الواردة على وجهها .
ومن استغفر من عند نفسه ، واختار صيغة له ، يطلب فيها المغفرة من ربه : فالأمر فيها واسع ، فإن شاء بدأ بحمد الله والثناء عليه ، وإن شاء بدأ بالاستغفار، من غير أن يلزمه الجمع بينهما.
وأما الاستعاذة فقد جاء عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : اللهمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْأَرْبَعِ : مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن .
وما في صحيح مسلم (2739) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ .
وفي هذين الحديثين استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من أمور عدة ، ولم يذكر أنه أثنى على الله تعالى وصلى على نفسه قبلهما .
والحاصل :
أن الثناء على الله وتمجيده والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مستحب قبل الدعاء، وليس بواجب ، ولكن إذا تقيد المرء بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء كان أفضل ، ومن اختار لنفسه من الدعاء أعجبه ، وأرجاه لحاجته: فلا حرج عليه .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب