ما حكم قول البعض عند وفاة أحدهم “مش خسارة في ربه” ، أي مثلا : يقول أحد والدي الميت ” ابني مش خسارة في ربه ” ؟
القول في التعزية؛ مش خسارة في ربه
السؤال: 297144
ملخص الجواب
العبارة المذكورة : قبيحة مردودة ، لا يحل أن ينطق بها عبد ، في حق رب العالمين . والمشروع له في مثل هذا المقام : أن يحمد الله ، ويسترجع .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الواجب على العبد المؤمن ، إذا نزل به مصاب ، أو أصابه ما يكره ، في نفسه ، أو أهله ، أو ماله: أن يصبر على ما نزل به من المصاب ، ويحرم عليه الجزع ، والتسخط على قضاء الله وقدره .
وقد قال الله تعالى : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ البقرة/ 155 – 157 .
قال ابن رجب رحمه الله :
” والدرجة الثانية: أنْ يصبرَ على البلاء، وهذه لمن لم يستطع الرِّضا بالقضاء، فالرِّضا فضلٌ مندوبٌ إليه مستحب، والصبرُ واجبٌ على المؤمن حتمٌ .
وفي الصَّبر خيرٌ كثيرٌ، فإنَّ الله أمرَ به، ووعدَ عليه جزيلَ الأجر. قال الله – عز وجل -: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ..
قال الحسن : الرِّضا عزيزٌ، ولكن الصبر معولُ المؤمن .
والفرق بين الرضا والصبر: أنَّ الصَّبر: كفُّ النَّفس وحبسُها عن التسخط مع وجود الألم، وتمنِّي زوال ذلك، وكفُّ الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع .
والرضا: انشراح الصدر وسعته بالقضاء، وترك تمنِّي زوال ذلك المؤلم، وإنْ وجدَ الإحساسُ
بالألم، لكن الرضا يخفِّفُه لما يباشر القلبَ من رَوح اليقين والمعرفة، وإذا قوي الرِّضا، فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية كما سبق.” انتهى ، من “جامع العلوم والحكم” (2/581) .
وينظر للفائدة حول ذلك : جواب السؤال رقم: (159103) .
ثانيا :
من الآداب المشروعة عند نزول البلاء : أن يحمد الله ، ويسترجع ، وقد مر في الآية التي ذكرناها : أن الله تعالى مدح عباده المؤمنين، بأنهم يقولون عند نزول المصائب بهم : إنا لله وإنا إليه راجعون .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
” قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ أي: مملوكون لله، مدبرون تحت أمره وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين، بمماليكه وأموالهم، فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد، علمه، بأن وقوع البلية من المالك الحكيم، الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك، الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره، لما هو خير لعبده، وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون لله، فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا، لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله، وراجع إليه، من أقوى أسباب الصبر.” انتهى من “تفسير السعدي” (75) .
ويتأكد الاسترجاع ، وحمد الله عز وجل عن فقدان الأحبة ، ولا سيما الأولاد .
والدليل على ذلك : ما رواه الترمذي ( 942 ) عَنْ أَبِي سِنَانٍ ، قَالَ : ” دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا ، وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلانِيُّ جَالِسٌ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ ، فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي ، فَقَالَ :
أَلا أُبَشِّرُكَ يَا أَبَا سِنَانٍ ؟ قُلْتُ : بَلَى .فَقَالَ : حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ ، قَالَ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ؟
فَيَقُولُونَ : نَعَمْ .
فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ؟
فَيَقُولُونَ : نَعَمْ .
فَيَقُولُ : مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟
فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ .
فَيَقُولُ اللَّهُ : ” ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ
.
وينظر جواب السؤال رقم : (21434) .
ثالثا :
العبارة المذكورة عند فقد الولد ، أو من يفقده الإنسان ، من عزيز : ( مش خسارة في ربنا ـ أو في : ربه ) : عبارة قبيحة المعنى ، مستبشعة ، لا يحل للإنسان أن يقولها في مثل هذا المقام ، أو غيره ، وهي من استزلال الشيطان للعبد ، وكيده له : أن يستبدل الذي أدنى ، وهي هذه العبارة القبيحة التي يقولها ، بالذي هو خير ، فيدع : حمد الله ، والاسترجاع ، والثناء على الله بما هو أهله ، سبحانه .
ووجه القبح فيها : أن الله جل جلاله غني عن العالمين ، لا يحتاج هذا العبد الذي قبضه ، ولا ينفعه موت أحد ، ولا حياته ، ولا يزيد ذلك في ملكه ، ولا ينقص منه : أن يعيش عبد ، أو يموت ؛ فكيف يقال : مش خسارة في ربه ؟
ثم هذا القائل المسكين : كأنه يمن على الله جل جلاله ، أن “سكت” عند هذا المصاب ، وترك ربه يأخذه ، ولم يستكثره عليه ؟!
فأولى لك أيها المسكين ؛ ومن أنت ، وما أنت ؟ حتى تمن على الله جل جلاله بذلك، أو تعطيه، و”مش خسارة” .
إن الله جل جلاله : لو أخذ أهل سماواته ، وأهل أرضه : لأخذهم ، وهو غير ظالم لهم ، ولا منة لأحد عليه ، فالملك ملكه ، والعبيد عبيده …
ولو أراد أن يهلكهم جميعا ، ما امتنع عليه أحد ، ولا عز عليه شيء ، سبحانه : من إله قادر ، قاهر ، حكيم ، عليم .
قال الله تعالى : لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ المائدة /17 .
ووجوه قبح هذه العبارة ، وشناعتها : كثيرة ، لا تخفى .
وتأمل ذلك الحديث ، في قصة قريبة :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : ” أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى صَبِيٍّ لَهَا، فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي ، فَقَالَتْ: وَمَا تُبَالِي بِمُصِيبَتِي فَلَمَّا ذَهَبَ، قِيلَ لَهَا: إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخَذَهَا مِثْلُ الْمَوْتِ، فَأَتَتْ بَابَهُ، فَلَمْ تَجِدْ عَلَى بَابِهِ بَوَّابِينَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَعْرِفْكَ، فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ ، أَوْ قَالَ: عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَةِ .
رواه البخاري (1283) ، ومسلم (926) .
فانظر ، كيف فاتها الصبر، وأجر الصابرين : لأجل شدة وجدها ، وما كان منها من البكاء ، ولم تنتصح بنصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تتعظ بموعظته ، وهي لا تعرفه .
فكيف بمن يقول مثل هذه الكلام القبيح المستشنع ؟
والحاصل :
أن العبارة المذكورة : قبيحة مردودة ، لا يحل أن ينطق بها عبد ، في حق رب العالمين .
والمشروع له في مثل هذا المقام : أن يحمد الله ، ويسترجع .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة