هل يجوز إذا صاحب الدين أبكم أن يمل الكاتب بلغة الإشارة، أو يلزم أن ينطق بالكلام؟
هل يجوز أن يمل المدين الأخرس على الكاتب بالإشارة؟
السؤال: 298449
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
القاعدة في إشارة الأخرس أنها تقوم مقام النطق إذا كانت مفهومة ، إلا في مسائل معينة ذكرها العلماء ، فبيع الأخرس وشراؤه وإجارته ونكاحه وطلاقه وإقراره … كل ذلك ينعقد بالإشارة .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (1/278):
إِشَارَةُ الأْخْرَسِ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا، وَتَقُومُ مَقَامَ عِبَارَةِ النَّاطِقِ فِيمَا لاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ الْعِبَارَةِ، إِذَا كَانَتْ مَعْهُودَةً ؛ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ: كَالْبَيْعِ، وَالإْجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْحُلُول: كَالطَّلاَقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالإْبْرَاءِ . وَغَيْرِ ذَلِكَ كَالأْقَارِيرِ – مَا عَدَا الإْقْرَارِ بِالْحُدُودِ، فَفِيهِ خِلاَفٌ – وَالدَّعَاوَى، وَالإْسْلاَمُ.
وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِيمَا نَعْلَمُ …
وَلاَ فَرْقَ فِي اعْتِبَارِ إِشَارَةِ الأْخْرَسِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى الْكِتَابَةِ، أَوْ عَاجِزًا عَنْهَا، وَلاَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَرَسُ أَصَالَةً أَوْ طَارِئًا ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ" انتهى.
وقال الزركشي في "المنثور" (1/165):
"واعلم أن إشارة الأخرس كنطقه إلا في مسائل:
إحداها : إذا خاطب بالإشارة في الصلاة؛ لا تبطل في الأصح.
الثانية : إذا شهد بالإشارة : لا تقبل ، لأن إقامتها مقام النطق للضرورة ، ولا ضرورة في شهادته، لإمكان شهادة الناطق .
الثالثة : إذا حلف لا يكلم زيدا ، فكلمه بالإشارة : لا يحنث .
الرابعة : حلف بالإشارة : لا ينعقد يمينه .
ويستثنى من هذا لعانه بالإشارة ؛ فيصح للضرورة " انتهى .
وبناء على هذا ؛ فإذا كانت إشارة الأخرس مفهومة للكاتب والشاهدين ؛ فلا حرج أن يقوم هو بالإملاء بالإشارة .
ثانيا:
فإذا قيل : إن الآية الكريمة التي ذُكر فيها هذا الحكم أمر الله تعالى فيها إذا كان الذي عليه الحق لا يستطيع أن يمل ، لصغر أو مرض أو خرس … أو غير ذلك ، أن يقوم وليه بالإملاء.
قال تعالى: فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ سورة البقرة /282 .
قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 118) :
"من فوائد الآية : أن من لا يقدر على إملاء الحق لصغره أو سفهه أو خرسه، أو نحو ذلك، فإنه ينوب وليه منابه في الإملاء والإقرار" انتهى .
وقال القرطبي في تفسيره (3/388) :
"وأما الأخرس : فيسوغ أن يكون من الضعفاء، والأولى أنه ممن لا يستطيع" انتهى .
فالجواب: أن الآية لم تذكر الطرق التي يثبت بها الحق ، وإنما ذكرت ما ينبغي أن يستوثق به صاحب الحق ، ولذلك لم تذكر الآية أنه يستشهد رجلا واحدا ، مع أن الحق يثبت بشاهد ويمين المدعي ، لأن الأقوى في التوثقة أن يثبت الحق بشاهدين .
ولا شك أن إملاء الولي باللفظ أقوى من إملاء الأخرس بالإشارة ، لأن الإشارة قد ينازع في دلالتها ، بخلاف اللفظ .
قال ابن القيم رحمه الله :
"ذكر الله تعالى شهادة الرجلين ، والرجل والمرأتين في الأموال ، فقال في آية الدين : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) : فهذا في التحمل والوثقة التي يحفظ بها صاحب المال حقه ، لا في طرق الحكم وما يحكم به الحاكم ، فإن هذا شيء ، وهذا شيء" انتهى من "أعلام الموقعين" (1/196) .
وعلى ذلك يقال:
إن أمكن أن يملي ولي الأخرس، نيابة عنه: فهو أحسن.
وإلا؛ فلو أملى الأخرس بلغة الإشارة، وكانت مفهومة عنه: صح ذلك.
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب