0 / 0

هل صلاة الجماعة شرط لصحة الصلاة؟ وماذا يلزمه إذا فاتته الجماعة في المسجد القريب ؟

السؤال: 298906

أقلد قول شيخ الإسلام ابن تيمية بأن الجماعة شرط لصحة الصلاة ، وبناء على هذا القول ، فهل الجماعة في المسجد شرط لصحة الصلاة ، ولا تصح الجماعة في غير المسجد ؟ أم يجوز عند شيخ الإسلام الجماعة في المصلى أو البيت وغير ذلك وتبرأ الذمة ؟ ومن ترك الجماعة في المسجد لعذر هل تصح صلاته منفردا حينها ؟ وبالنسبة لفتواكم رقم : (249439) فإذا تركت الجماعة الأولى في المسجد لغير عذر فهل يلزمني أن أذهب للمساجد والمصليات وأبحث عن أي أحد يصلي جماعة ، فإن لم أجد في مكان أنتقل لآخر حتى أجد جماعة وأصلي معهم ؟ أم يكفيني فقط إذا ذهبت لمكان واحد ولم أجد جماعة أن أصلي منفردا وتبرأ ذمتي ؟ وإذا وجدت شخصا حينها يصلي منفردا في هذا المكان فهل يلزمني الائتمام به ؟ وإذا تركت الجماعة في المسجد لغير عذر ، وغلب على ظني أني إذا نزلت للمسجد فلن أجد جماعة ثانية ، فهل يجوز حينها الصلاة في البيت منفردا ؟ أم يلزمني النزول والتأكد بنفسي من عدم وجود جماعة أخرى لتبرأ ذمتي ، وبعدها حين أصلي منفردا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، إلى القول بوجوب صلاة الجماعة، وتقوية القول بأنها شرط لصحة الصلاة، حيث قال رحمه الله تعالى:

” و ” الجماعة ” واجبة أيضا، عند كثير من العلماء، بل عند أكثر السلف، وهل هي شرط في صحة الصلاة على قولين:

أقواهما كما في سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من سمع النداء فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له ). ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (11 / 615).

وقال رحمه الله تعالى:

” والجماعة شرط للصلاة المكتوبة وهو إحدى الروايتين عن أحمد، واختارها ابن أبي موسى، وأبو الوفاء بن عقيل، ولو لم يمكنه الذهاب إلا بمشيه في ملك غيره فعل، فإذا صلى وحده لغير عذر لم تصح صلاته ” انتهى من “الفتاوى الكبرى” (5 / 346).

ثانيا:

لم نقف على نص صريح لشيخ الإسلام  ينص فيه على أن جماعة المسجد شرط لصحة الصلاة.

لكن الذي يظهر من سياق كلامه هو أن جماعة المسجد شرط؛ لأن النصوص التي ساقها على شرطية الجماعة تتناول جماعة المسجد، كما أن وجوب الجماعة هو سبب قوله بشرطيتها؛ كقوله أثناء سياقه لأدلة من قال بشرطية الجماعة:

” وإذا ترك الجماعة من غير عذر: ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره:

أحدهما: تصح صلاته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تفضل صلاة الرجل في الجماعة على صلاته وحده بخمس وعشرين درجة ).

والثاني: لا تصح، لما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من سمع النداء ثم لم يجب من غير عذر فلا صلاة له ) ولقوله: ( لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد )، وقد قواه عبد الحق الإشبيلي.

وأيضا فإذا كانت واجبة فمن ترك واجبا في الصلاة لم تصح صلاته ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (23 / 241).

وسياق كلام  ابن مفلح في “الفروع” يظهر منه أن شيخ الإسلام يذهب إلى أن جماعة المسجد شرط؛ حيث ساق قوله عقب من يقول بالشرطية؛ فقال رحمه الله تعالى:

” وفعلها في المسجد سنة…

وعنه: فرض كفاية …

وعنه: واجبة مع قربه.

وقيل: شرط، قال شيخنا – أي ابن تيمية -: ولو لم يمكنه إلا بمشيه في ملك غيره فعل، وإن كان بطريقه منكر كغناء لم يدع المسجد، وينكره، نقله يعقوب.” انتهى من “الفروع” (2 / 421).

ثالثا:

عند وجود العذر، فإن مذهبه أن الصلاة تصح في غير جماعة؛ كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ ) رواه ابن ماجه (793).

قال رحمه الله تعالى:

” فأما صلاة الجماعة: فاتبع ما دل عليه الكتاب والسنة وأقوال الصحابة؛ من وجوبها مع عدم العذر، وسقوطها بالعذر ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (23 / 244).

فإذا فاتته جماعة المسجد فإنه يعذر في الصلاة منفردا، بشرط ألّا تتيسر له جماعة أخرى.

قال رحمه الله تعالى:

” وكذلك من فوت الجماعة الواجبة التي يجب عليه شهودها، وليس هناك جماعة أخرى، فإنه يصلي منفردا، وتصح صلاته هنا لعدم إمكان صلاته جماعة ، كما تصح الظهر ممن تفوته الجمعة ” انتهى من  “مجموع الفتاوى” (23 / 233).

رابعا:

المسلم يجب عليه الذهاب إلى المسجد إذا كان يسمع أذانه، لو قدر أن المؤذن أذن بدون مكبر الصوت، رافعا صوته كما كان الحال في عهد النبوة.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ” أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟) قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: (فَأَجِبْ ) رواه مسلم (653).

سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:

” إننا نبعد عن مسجد القرية، ولكننا نصلي جماعة في مكان اتخذناه مصلى لنا، فهل علينا شيء في عدم الذهاب إلى المسجد؟

فأجاب: إذا كنتم تسمعون النداء بالصوت المجرد من دون مكبر؛ لقربه منكم فإنه يلزمكم الذهاب والصلاة معهم… أما إذا كان بعيدا عنكم عرفا، يشق عليكم السعي إليه، ولا تسمعون النداء : فلا مانع أن تصلوا في محلكم، ولا حرج في ذلك ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (11 / 131 – 132).

وقد وري فعل ذلك عن الأسود بن يزيد النخعي، تلميذ ابن مسعود ، وغيره من السلف .

قال البخاري رحمه الله : ” فَضْلِ صَلاةِ الجَمَاعَةِ .

وكان الأسود إذا فاتته الجماعة ذهب إلى مسجد آخر

وجاء أنس إلى مسجد قَدْ صلي فِيهِ ، فأذن وأقام ، وصلى جماعة ” انتهى.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

” من فاتته الجماعة فِي مسجد لَمْ يجد فِيهِ جماعةً ، فإنه يذهب إلى مسجد آخر لتحصيل الجماعة ، كما فعله الأسود .

وَقَالَ حماد بْن زيد : كَانَ ليث بْن أبي سليم إذا فاتته الصلاة فِي مسجد حيه اكترى حماراً ، فطاف عَلِيهِ المساجد حَتَّى يدرك جماعةً .

ونص الإمام أحمد عَلَى أن من فاتته الجماعة فِي مسجد حيه أَنَّهُ يذهب إلى مسجد آخر ليدرك الجماعة . قَالَ : وإن فاتته تكبيرة الإحرام مَعَ الإمام فِي مسجد حية صلى معهم ، ولم يذهب إلى مسجد آخر لإدراك تكبيرة الإحرام مَعَ إمامه .

وحكى عَن هشيم ، أَنَّهُ كَانَ يذهب إلى مسجد آخر لإدراك تكبيرة الإحرام مَعَ الإمام ” انتهى من “فتح الباري” لابن رجب (4/22).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

” وكان الأسود أي بن يزيد النخعي أحد كبار التابعين، وأثره هذا وصله بن أبي شيبة بإسناد صحيح، ولفظه: (إذا فاتته الجماعة في مسجد قومه).

ومناسبته للترجمة: أنه لولا ثبوت فضيلة الجماعة عنده ، لما ترك فضيلة أول الوقت ، والمبادرة إلى خلاص الذمة ، وتوجه إلى مسجد آخر!!

كذا أشار إليه ابن المنير ، والذي يظهر لي : أن البخاري قصد الإشارة بأثر الأسود وأنس ، إلى أن الفضل الوارد في أحاديث الباب : مقصور على من جمَّع في المسجد ، دون من جمَّع في بيته مثلا .. لأن التجميع لو لم يكن مختصا بالمسجد ، لجمع الأسود في مكانه ، ولم ينتقل إلى مسجد آخر لطلب الجماعة ، ولما جاء أنس إلى مسجد بني رفاعة”  انتهى  من “فتح الباري” لابن حجر (2/131).

واختار ذلك الإمام أحمد أيضا:

” قال إسحاق بن منصور: قلتُ: إذا جاء الرجلُ إلى المسجد وقد صلوا، يطلبُ مسجدًا يصلي فيه؟ قال: لِمَ لا يطلب؟! قلت: مَنْ فعلَهُ ؟ قال: الأسود.

قال إسحاق – هو ابن راهويه – : كما قال، وقَدْ فعله حذيفة أيضًا -رضي اللَّه عنه- ” انتهى  من “مسائل الكوسج” (2/618).

وعليه : فإن كانت تقرب منك مساجد عدة، ويغلب على ظنك أنك تدرك الصلاة في أحدها، فالظاهر أنه يلزمك السعي إليه؛ لعموم الأدلة الآمرة بالسعي إلى صلاة الجماعة.

وأما إذا كنت تقيم بمكان لا يقرب منك إلا مسجد واحد، فلا يلزمك السعي إلى ما بعده من المساجد.

وإن فعلت، رجاء ثواب الجماعة فهو خير، وقد سبق ذكر من فعل ذلك من السلف.

لكن إن وجدت في مسجد حيّك من تصلي معه جماعة، بعد فوات الصلاة مع الإمام، فيشرع ذلك.

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: ” جَاءَ رَجُلٌ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا؟)

فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ ” رواه الترمذي (220) ، وأبو داود (574).

وقال الترمذي رحمه الله تعالى:

” وحديث أبي سعيد حديث حسن.

وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وغيرهم من التابعين.

قالوا: لا بأس أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلى فيه جماعة، وبه يقول أحمد، وإسحاق.

وقال آخرون من أهل العلم: يصلون فرادى، وبه يقول سفيان، وابن المبارك، ومالك، والشافعي: يختارون الصلاة فرادى ” انتهى.

وأما الوجوب فلا يعلم له دليل يصح.

خامسا:

إذا غلب على ظن من تخلف عن صلاة الجماعة: أن الجماعة قد انتهت؛ فلا حرج عليه أن يصلي مع أهله في بيته ، أو في عمله ، إذا كان يغلب على ظنه فوات الجماعة ، إما من عادة المسجد في وقت الصلاة ، أو سماع صوتهم في المكبر ، إذا كانوا يصلون في مكبر الصوت ، أو بما يعتاده من القرائن والعلامات في مثل ذلك .

وينظر جواب السؤال : (127293) .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android