0 / 0
110,60514/12/2019

حكم الدعاء إذا كان بالقلب دون اللسان

السؤال: 299131

لديّ سؤال يتعلق بسؤال الله والدعاء في النفس دون تحريك اللسان. إذا كنت أدعوا أو أسأل الله سواء كان ذلك بعد الصلاة ، أو عند الذهاب إلى السرير ، أو بين الناس ، لا أقول ذلك بصوت مرتفع (فقط في نفسي). لديّ شعور بأن الله لا يجيب دعائي ، كما لو كنت أقول ذلك بصوت مرتفع وأسأله ولساني يتحرك وبصوت متوسط. هل هناك بعض الأحاديث أو آيات من القرآن تشير إلى أنه يجب أن تسأل الله (وأن تقول ذلك بصوت مرتفع)؟ أو هل يكفي تحريك اللسان دون أيّ صوت ، أم أنه يكفي أيضاً أن تفكّر في الدعاء وأن تسأل الله دون أن تنطق أو تحرك الفم؟ وماذا بخصوص هذا الأمر مع الذكر؟ هل يمكننا أن نقول الذكر دون تحريك اللسان؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الأذكار والأدعية والأقوال المشروعة : لابد فيها من حركة اللسان ، وسماع الإنسان صوت نفسه، عند الجمهور.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يجزئ أن يحرك لسانه ويخرج الحروف دون صوت، وهو مذهب المالكية، والحنفية في قولهم الآخر، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

وقد علل الفقهاء ذلك بأنه : دون تحريك اللسان ، لا يحصل الكلام، وإنما يكون تفكرا وحديث نفس، كما دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم قال:  إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعمَلُوا بِهِ  رواه البخاري (2528) ومسلم (127)، فميز بين حديث النفس والكلام.

والتفكر والتدبر أو الذكر القلبي : يثاب الإنسان عليه، لكن لا يقال لمن تفكر: إنه دعا، ولا نعلم ما يفيد أن الدعاء يكون بالقلب.

قال تعالى:  ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ  الأعراف/55

وقال:  وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ  الأعراف (205).

وقال تعالى:  وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا   الإسراء /110.

قالت عائشة رضي الله عنها: “نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الدُّعَاءِ ” رواه البخاري (7526) ،ومسلم (447).

قال أبو العباس القرطبي رحمه الله: ” قد ذكر في الأصل اختلاف عائشة وابن عباس في سبب نزولها، وأيهما كان ، فمقصود الآية التوسط في القراءة والدعاء، فلا يُفْرِط في الجهر، ولا يفرط في الإسرار، ولكن بين المُخافتة والجهر، وخير الأمور أوساطها ” انتهى من “المفهم” (7 / 358 – 359).

قال الزيلعي رحمه الله: ” اختلفوا في حد الجهر والإخفاء ، فقال الهندواني: الجهر أن يُسمع غيره، والمخافتة أن يُسمع نفسه. وقال الكرخي: الجهر أن يُسمِع نفسه ، والمخافتة تصحيح الحروف؛ لأن القراءة فعلُ اللسان دون الصِّماخ. والأول أصح؛ لأن مجرد حركة اللسان لا تسمى قراءة بدون الصوت.

وعلى هذا الخلاف: كلُّ ما يتعلق بالنطق، كالتسمية على الذبيحة ، ووجوب السجدة بالتلاوة والعتاق والطلاق والاستثناء” انتهى من تبيين الحقائق (1/ 127).

وقال ابن الهمام رحمه الله: ” واعلم أن القراءة، وإن كانت فعل اللسان ، لكن فعله الذي هو كلام ، والكلام بالحروف ، والحرف كيفية تعرض للصوت ، وهو أخص من النفَس ، فإنه النفس المعروض بالقرع، فالحرف عارض للصوت، لا للنفس، فمجرد تصحيحها بلا صوت: إيماءٌ إلى الحروف بعضلات المخارج، لا حروف؛ فلا كلام” انتهى من فتح القدير (1/ 331).

وقال النووي رحمه الله في “المجموع” (3/256) : ” وأدنى الإسرار: أن يُسمع نفسه، إذا كان صحيح السمع، ولا عارض عنده من لغط وغيره .

وهذا عام في القراءة ، والتكبير ، والتسبيح في الركوع وغيره , والتشهد ، والسلام ، والدعاء ؛ سواء واجبها ونفلها ؛ لا يحسب شيء منها حتى يُسمع نفسه ، إذا كان صحيح السمع ، ولا عارض .

فإن لم يكن كذلك : رفع ، بحيث يسمع ، لو كان كذلك ، لا يجزيه غير ذلك ، هكذا نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب ” انتهى .

وقال في “الأذكار” ص 35 : ” اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها ، واجبة كانت أو مستحبة ، لا يحسب شيء منها ، ولا يعتد به : حتى يتلفظ به ، بحيث يُسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ، لا عارض له ” انتهى.

وقال المرداوي رحمه الله في “الإنصاف” (2/44) : ” قوله ( وبالقراءة بقدر ما يسمع نفسه ) : يعني أنه يجب على المصلي أن يجهر بالقراءة ، في صلاة السر ، وفي التكبير وما في معناه ، بقدر ما يسمع نفسه .

وهذا المذهب ، وعليه الأصحاب . وقطع به أكثرهم .

واختار الشيخ تقي الدين الاكتفاء بالإتيان بالحروف ، وإن لم يَسْمعها , وذكره وجها في المذهب . قلت : والنفس تميل إليه .

واعتبر بعض الأصحاب سماع مَن بِقُرْبه ، قال في الفروع : ويتوجه مثله في كل ما يتعلق بالنطق، كطلاق وغيره . قلت : وهو الصواب .

تنبيه : مراده بقوله ” بقدر ما يسمع نفسه ” : إن لم يكن ثم مانع ، كطرش ، أو أصوات يسمعها تمنعه من سماع نفسه. فإن كان ثم مانع أتى به ، بحيث يحصل السماع مع عدم المعارض” انتهى.

والحاصل : أن في المسألة قولين معتبرين : وجوب أن يُسمع الإنسان نفسه، أو الاكتفاء بالإتيان بالحروف، ولا يكون ذلك إلا بحركة اللسان والشفتين ، ولو قليلا.

ومن تأمل النصوص الواردة في الدعاء يجد فيها التصريح بالقول، وتارة بالنداء وهو رفع الصوت.

قال تعالى:  هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ   آل عمران/38.

وقال:  قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ   الأعراف/151.

وقال:  قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي  طه/25 .

وقال:  قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ  المؤمنون/26 .

وقال:  وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ   التحريم/11 .

وقال:  وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ  الأنبياء/76 .

وقال:  وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  الأنبياء/83 .

وقال:  وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ  الأنبياء/89 .

ولم نقف على شيء في الدعاء بالقلب دون اللسان.

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: ” كونه ينوي بقلبه، ويذكر بقلبه، ولا يتكلم بلسانه، ما يسمى قارئاً، ولا يسمى داعيا، ولا يسمى ذاكرا، فهذا ذكر بالقلب، يسمى ذكر القلب، لكن المأمور في الصلاة أن تقرأ كما أمرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- تقرأ، وكذلك المأمور في الدعاء أن تدعو، ولا تسمى داعياً، ولا قارئاً إلا إذا تلفظت…

الذكر أنواع ثلاثة، ذكر القلب، وذكر اللسان، وذكر العمل. فإذا ذكر بقلبه من الله خوف، وتعظيم، وتتذكر، عظمته، وخوفه، ورجاءه، والشوق إليه -سبحانه وتعالى-، ومحبته : هذا ذكر في القلب، وذكر اللسان سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والحوقلة، وذكر العمل كونه يصلي، ويصوم، ويتصدق يرجو ثواب الله، هذا ذكر بالعمل مع القلب” انتهى من فتاوى ابن باز:

https://binbaz.org.sa/old/38074

وسئل رحمه لله ما نصه: “قال بعض أهل العلم: إن الدعاء إذا لم يتلفظ به الإنسان لا يستجاب.

فأجاب: ما يسمى دعاء.  ما يسمى دعاء إلا إذا تلفظ. لابد أن يحرك لسانه” انتهى من:

والحاصل :

أن الدعاء لابد فيه من نطق وإلا فإنه لا يكون دعاء.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android