هناك عدد قليل من الناس الذين يقومون ببعض البدع في الإسلام وعندما نحاول التحدث معهم ، فإنهم يعترفون بالقيام بالبدع لكنهم يدّعون بأنها بدعة حسنة. عندما نقول لهم أن البدعة الحسنة غير موجودة في الإسلام فإنهم لا يوافقون ويقولون أنّ هناك الكثير من البدع التي قام بها الصحابة لكنها كانت بدعاً حسنة. إنهم يأتون بأمثلة مثل منارات المساجد ، وعملية جمع القرآن في كتاب واحد في عهد عثمان ، وكلمة عمر -نعمت البدعة هذه- بخصوص التراويح. طبعاً نحن نعلم أن المنارة والقرآن لا يمكن أن تكون ذات صلة لأنها لا ترتبط بأيّ عبادة. عندما نقول لهم أنّ عمر كان يعني أنّ صلاة التراويح في جماعة هي البدعة الحسنة وليس العدد 20 ، وأن رسول الله صلى التراويح في جماعة ، فيقولون إذا لماذا صلّى عمر 20 ركعة؟ نقول لهم أن النبي لم يحدّد عددا ثم يقفزون ويجادلون بأنّه في هذه الحالة ، لماذا حدّد عمر عددا في حين أن النبي لم يفعل ذلك. أليس ذلك بدعة؟ هل يستطيع أحد جعل المسلمين يصلّون 14 ، أو 16 ، أو حتى 18 ركعة تراويح في الوقت الحاضر؟ هل هذا جائز؟ إذا لم يكن الأمر كذلك ، فلماذا جاز لعمر أن يجعل أمته المسلمة تصلّي 20 ركعة من صلاة التراويح؟ لنكون أكثر دقة ، لماذا حدّد عمر عددًا بينما لم يفعل نبي الله ذلك؟ لماذا لا يمكن اعتبار العدد 20 من البدع بينما تركه الرسول بدون تعيين؟
لماذا جعل عمر رضي الله عنه التراويح عشرين ركعة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك؟
السؤال: 299752
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
البدعة ما أحدث في الدين ولم يدل عليه دليل، أو ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المقتضي له وعدم المانع منه.
وأما ما تركه لعدم المقتضي كجمع القرآن، فلا يكون فعله عند وجود المقتضي له بدعة.
وكذلك ما تركه لمانع، كترك المداومة على التراويح جماعة، خوفا أن تفرض على أمته.
وليس في الدين بدعة حسنة، بل البدع كلها ضلالة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ رواه مسلم (867).
ومن أطلق البدعة الحسنة من المتقدمين كما جاء عن عمر رضي الله عنه، فإنه أراد البدعة اللغوية؛ أي الأمر الجديد، وليس البدعة الشرعية؛ فإن التراويح قد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه مرات.
قال ابن رجب رحمه الله:”وأما ما وقع في كلام السَّلف مِنِ استحسان بعض البدع، فإنَّما ذلك في البدع اللُّغوية، لا الشرعية، فمِنْ ذلك قولُ عمر – رضي الله عنه – لمَّا جمعَ الناسَ في قيامِ رمضان على إمامٍ واحدٍ في المسجد، وخرج ورآهم يصلُّون كذلك فقال: نعمت البدعةُ هذه. وروي عنه أنَّه قال: إنْ كانت هذه بدعة، فنعمت البدعة “
ومرادُه: أنَّ هذا الفعلَ لم يكن على هذا الوجه قبل هذا الوقت، ولكن له أصولٌ منَ الشَّريعةِ يُرجع إليها، فمنها: أنَّ النَّبيَّ – صلى الله عليه وسلم – كان يحُثُّ على قيام رمضان، ويُرَغِّبُ فيه، وكان النَّاس في زمنه يقومون في المسجد جماعاتٍ متفرِّقةً ووحداناً، وهو – صلى الله عليه وسلم – صلَّى بأصحابه في رمضانَ غيرَ ليلةٍ، ثم امتنع مِنْ ذلك معلِّلاً بأنَّه خشي أنْ يُكتب عليهم، فيعجزوا عن القيام به، وهذا قد أُمِنَ بعده – صلى الله عليه وسلم” انتهى من “جامع العلوم والحكم” (2/ 783).
ثانيا:
بناء المآذن يدخل في المصلحة المرسلة، لأجل بلُوغ صوتِ الأذان إلى أقصى حدٍ مُمكن ، أو لِيُعرف المسجد منْ بُعد، فُيقصد من قِبَلِ المصلِّين.
ولها أصل، وهو أذان بلال رضي الله عنه على أسطح بعض البيوت المجاورة لمسجده صلى الله عليه وسلم.
جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (6/254) : ” س : يعترض بعض الناس على إنشاء المآذن أصلا، ويعتبر ذلك مخالفا للسنة وتبذيرا للمال ، ويرد عليه فريق آخر بأن المآذن أصبحت معلما يشهر المسجد ، ويدل عليه في وسط البنايات المزدحة المرتفعة ، وهي تحجب الرؤية من بعيد والمسجد بمئذنته السامقة ، يشعر الكثيرين بأن المسلمين ما زالوا بخير أمام التحديات الكثيرة التي يواجهونها .
ج : لا حرج في إقامة المآذن في المساجد ؛ بل ذلك مستحب لما فيه من تبليغ صوت المؤذن للمدعوين إلى الصلاة.
ويدل على ذلك أذان بلال في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على أسطح بعض البيوت المجاورة لمسجده ، مع إجماع علماء المسلمين على ذلك.
عبد الله بن قعود … عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز” انتهى .
وينظر الفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة في جواب السؤال رقم : (160876).
ثالثا:
التروايح-وصلاة الليل عامة- لم يحد النبي صلى الله عليه وسلم فيها حدا، وإنما قال: إنها مثنى مثنى، كما روى البخاري (472) ومسلم (749) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا تَرَى فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ: مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى .
فلو صلى الإنسان عشرين أو ثلاثين أو مائة، فلا حرج.
وكونه صلى الله عليه وسلم لا يزيد على إحدى عشرة ركعة ، أو ثلاث عشرة ركعة، لا يعارض جوابه القولي العام ، بأنها مثنى مثنى، والقول مقدم على الفعل لو فرض التعارض، فكيف ولا تعارض، فإن الإحدى عشرة ركعة ، والثلاث عشرة ركعة ، والثلاث والعشرين، كلها داخلة في المشروع.
والأكمل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا كان على صفة صلاته، صلى الله عليه وسلم، من طولها، وإكمالها، وحسنها.
ولما رأى الصحابة رضي الله عنهم أن هذا يشق على عموم المصلين، زادوا في عدد الركعات تعويضا عن تطويلها، متمسكين بالرخصة العامة في اختيار العدد ، وهو قوله: مثنى مثنى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَمِيعَهُ حَسَنٌ ، كَمَا قَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَنَّهُ لَا يتوقت فِي قِيَامِ رَمَضَانَ عَدَدٌ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَقِّتْ فِيهَا عَدَدًا .
وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ تَكْثِيرُ الرَّكَعَاتِ وَتَقْلِيلُهَا بِحَسَبِ طُولِ الْقِيَامِ وَقِصَرِهِ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُطِيلُ الْقِيَامَ بِاللَّيْلِ ، حَتَّى إنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ : ” أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ بِالْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ وَآلِ عِمْرَانَ ” ؛ فَكَانَ طُولُ الْقِيَامِ يُغْنِي عَنْ تَكْثِيرِ الرَّكَعَاتِ .
وأبي بْنُ كَعْبٍ لَمَّا قَامَ بِهِمْ ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ : لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُطِيلَ بِهِمْ الْقِيَامَ ، فَكَثَّرَ الرَّكَعَاتِ ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ عِوَضًا عَنْ طُولِ الْقِيَامِ ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ ضِعْفَ عَدَدِ رَكَعَاتِهِ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُومُ بِاللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةً ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ ضَعُفُوا عَنْ طُولِ الْقِيَامِ فَكَثَّرُوا الرَّكَعَاتِ، حَتَّى بَلَغَتْ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ ” انتهى من ” مجموع الفتاوى ” (23/113)
وفي صلاة عمر والصحابة معه عشرين ركعة، من غير نكير: إجماع منهم على جواز ذلك، وأنه لا حد لركعات التراويح.
فمن قال: إن العشرين بدعة : فقد أخطأ.
ومن قال: إن هذا يدل على جواز الابتداع فقد أخطأ، فإن البدعة ما لم يدل عليه دليل كما تقدم، وهذه العشرون دل عليها قوله صلى الله عليه وسلم: (مَثْنَى مَثْنَى) ، مع سنة الخلفاء الراشين: عمر وعثمان وعلي، وفهمهم لإطلاق قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وحاله في فعله ؛ مع إجماع الصحابة ؛ فإنه لم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك، مع أنهم أنكروا صورا من البدعة التي يظن بعض الناس أنها حسنة، كالتثويب في غير الفجر، والاجتماع للذكر مع تحديده بعدد معين.
وينظر: جواب السؤال رقم (226211).
على أنه قد ثبت أن عمر رضي الله عنه أمر أن تصلى التراويح إحدى عشرة ركعة ، كما صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه .
روى البيهقي في السنن (4287) عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّهُ قَالَ: ” أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ ، وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ : أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ ، حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ ” .
قال البيهقي رحمه الله: “هَكَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ… ثم ذكر بسنده ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: ” كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً “.
قَالَ: ” وَكَانُوا يَقْرَءُونَ بِالْمَئِينِ، وَكَانُوا يَتَوَكَّئُونَ عَلَى عِصِيِّهِمْ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ شِدَّةِ الْقِيَامِ ” ….
وذكر بسنده عن مالك عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ: ” كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً “.
وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، بأنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ، ثُمَّ كَانُوا يَقُومُونَ بِعِشْرِينَ ، وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ” انتهى من السنن الكبرى للبيهقي (2/ 698).
وقال النووي رحمه الله في المجموع (4/ 32): ” مذهبنا أنها عشرون ركعة ، بعشر تسليمات، غير الوتر، وذلك خمس ترويحات ، والترويحة أربع ركعات بتسليمتين.
هذا مذهبنا ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ، وأحمد وداود وغيرهم. ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء.
وحكي أن الأسود بن يزيد كان يقوم بأربعين ركعة، ويوتر بسبع.
وقال مالك: التراويح تسع ترويحات، وهى ستة وثلاثون ركعة، غير الوتر. واحتج بأن أهل المدينة يفعلونها هكذا.
وعن نافع قال: أدركت الناس وهم يقومون رمضان بتسع وثلاثين ركعة يوترون منها بثلاث.
واحتج أصحابنا بما رواه البيهقي وغيره بالإسناد الصحيح، عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه قال: ” كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة، وكانوا يقومون بالمائتين، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان من شدة القيام…
وروى البيهقي عن علي رضي الله عنه أيضا، قيام رمضان بعشرين ركعة.
وأما ما ذكروه من فعل أهل المدينة، فقال أصحابنا: سببه أن أهل مكة كانوا يطوفون بين كل ترويحتين طوافا ، ويصلون ركعتين ، ولا يطوفون بعد الترويحة الخامسة، فأراد أهل المدينة مساواتهم، فجعلوا مكان كل طواف أربع ركعات، فزادوا ست عشرة ركعة، وأوتروا بثلاث، فصار المجموع تسعا وثلاثين. والله أعلم” انتهى.
والحاصل : أن صلاة الصحابة التراويح عشرين ركعة أو أكثر، ليس بدعة شرعية؛ لأن البدعة ما لم يدل عليه دليل، وهذه مستندة إلى ترخيص النبي صلى الله عليه وسلم في أي عدد تصلى به التراويح، لقوله: (مثنى مثنى)، ولكونها سنة ثلاثة من الخلفاء الراشدين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ رواه أبو داود (4607) ، والترمذي (2676) ، وابن ماجه (44).
وقد دل عليها أيضا : إجماع الصحابة رضي الله عنهم.
وما كان كذلك، من حصول الرخصة الشرعية بعمومها ، وفهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لها ، وإجماع السلف عليها كيف يقارن به ما لا دليل عليه مطلقا، كالاحتفال بالمولد، أو بناء المساجد على القبور، أو اختراع الأوراد والأذكار بأعداد وكيفيات لم تشرع؟!
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة