إذا كان هناك قاضي وحكم بالقتل أو الإعدام على شخص مظلوم ، وتبين لاحقا أنه مظلوم ، وكان القاضي على خطأ ، فهل يدفع القاضي دية على القتل الخطأ أم لا ؟ وإذا كان أحد يطبق حد الجلد مثلا على الزاني البكر ، ومات الزاني من أثر الجلد ، فهل يعتبر قتلا خطأ ؟ ومن يتحمل دفع الدية ؟ هل هو الجلاد أم الإمام أم لا تدفع أصلا؟
إذا أخطأ القاضي أو ظلم وقتل المدعى عليه فهل يقتص منه؟
السؤال: 300372
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
إذا حكم القاضي بالقتل قصاصا، أو حدا، وقُتل المدعى عليه، ثم تبين خطأ الحكم، فهذا له صور: فقد يكون القاضي عامدا، وقد يكون مخطئا، مفرطا أو غير مفرط، وهذه أهم الصور:
1- أن يتعمد القاضي الظلم والجور، كأن يعلم بكذب الشهود ، أو يقر بعد تنفيذ القتل أنه جار وظلم، فإنه يقتص منه.
جاء في “المدونة” (4/ 519): “أرأيت القاضي إذا رجم وقطع الأيدي، وضرب الرجال، فقال بعد ذلك: حكمت بالجور؟
قال: قال مالك: ما تعمد الإمام من جور، فجار به على الناس، فإنه يقاد منه.
قال: وقال مالك: وقد أقاد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر وعمر من أنفسهم” انتهى.
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (33/ 320): ” وقال المالكية: إن علم القاضي بكذب الشهود ، وحكم بما شهدوا به من رجم أو قتل أو قطع، فالقصاص عليه دون الشهود” انتهى.
وقال ابن عابدين رحمه الله : “وإن كان القضاء بالجور عن عمد ، وأقر به ، فالضمان في ماله ، في الوجوه كلها ، بالجناية والإتلاف، ويعزر القاضي ، ويعزل عن القضاء” انتهى من “حاشية ابن عابدين” (5/ 418) .
2- أن يخطيء القاضي في حكمه ، مخالفا دليلا قاطعا، من نص كتاب أو سنة أو إجماع ، فإنه يضمن.
وفي “الموسوعة الفقهية” (19/175): “وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ بَانَ خَطَأُ الْحَاكِمِ فِي إِتْلاَفٍ ، كَقَطْعٍ وَقَتْلٍ ، لِمُخَالَفَةِ دَلِيلٍ قَاطِعٍ ، أَوْ بَانَ خَطَأُ مُفْتٍ لَيْسَ أَهْلاً لِلْفُتْيَا : ضَمِنَا ، أَيِ الْحَاكِمُ وَالْمُفْتِي ؛ لأِنَّهُ إِتْلاَفٌ حَصَل بِفِعْلِهِمَا ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَاشَرَاهُ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَوْ أَخْطَأَ فِيمَا لَيْسَ بِقَاطِعٍ ، مِمَّا يَقْبَل الاِجْتِهَادَ : لاَ ضَمَانَ ” انتهى.
3- أن يعمل القاضي بالبينة الشرعية، ثم يتبين أن الشاهد كافر أو فاسق، فلا ضمان على الشاهد، وإنما الضمان على مزكّي الشهود، فإن لم يكن للشهود مُزَكُّون، فالضمان على القاضي لتقصيره.
قال في “كشاف القناع” (6/446): “(وإن بان بعد الحكم أن الشاهدين كافران ، أو فاسقان : نُقض) حكمه ، لأن شرطه كون الشاهد مسلما عدلا ، ولم يوجد ، (فينقضه الإمام أو غيره) لفساده .
لكن تقدم حيث قلنا : ينقض ، فالناقض له حاكمه ، إن كان .
(ورجع) المحكوم عليه (بالمال أو ببدله) على المحكوم له؛ لأن الحكم قد نقض ، فيجب أن يرجع الحق إلى مستحقه.
(و) رجع (ببدل قودٍ مستوفى ، على المحكوم له) لتعذر الرجوع بالقود ، فيتعين بدله .
(وإن كان المحكوم به إتلافا) ، كقتل : (فالضمان على المزكين . وكذا إن كان) الحكم (لله) تعالى (بإتلاف حسي) ، كقتل لردة ، أو رجم لزنا ، أو قطع لسرقة ، (أو) كان الحكم (بما سرى إليه) ، أي إلى الإتلاف ؛ بأن حكم عليه بحد شرب ، أو تعزير ، فسرى إلى نفسه أو عضو منها ؛ وبان كفر الشهود ، أو فسقهم : فالضمان على المزكين ، لأن المحكوم به قد تعذر رده، وشهود التزكية ألجئوا الحاكم إلى الحكم ، فلزمهم الضمان لتفريطهم .
(فإن لم يكن مزكون : فعلى الحاكم) ؛ لأن التلف حصل بفعله ، أو بأمره ؛ فلزمه الضمان لتفريطه. وكذا إن كان مزكون فماتوا . ذكره في الكافي والرعاية ، قاله في المبدع . قال: ولا قود ، لأنه مخطئ، وتجب الدية في بيت المال، وعنه : على عاقلته” انتهى.
4- أن يحكم القاضي بالبينة الشرعية، ثم يرجع الشهود، فلا شيء على القاضي، ويلزم الشهود الدية، أو القصاص.
قال الشافعي رحمه الله في “الأم” (7/ 57): “فإذا شهد الشاهدان، أو الشهود على رجل ، بشيء يُتلف من بدنه، أو يُنال ، مثل قطع، أو جلد، أو قصاص في قتل، أو جرح ، وفعل ذلك به، ثم رجعوا فقالوا: عمدنا أن يُنال ذلك منه بشهادتنا، فهي كالجناية عليه. ما كان فيه من ذلك قصاص خُيّر بين أن يقتص، أو يأخذ العقل [يعني: الدية]. وما لم يكن فيه من ذلك قصاص أخذ فيه العقل ، وعُزروا دون الحد.
ولو قالوا: عمدنا الباطل، ولم نعلم أن هذا يجب عليه، عُزروا ، وأخذ منهم العقل، وكان هذا عمدا يشبه الخطأ فيما يقتص منه وما لا يقتص منه.
ولو قالا: أخطأنا، أو شككنا ، لم يكن في شيء من هذا عقوبة ولا قصاص، وكان عليهم فيه الأرش” انتهى.
وقال في “كشاف القناع (6/ 443): “(فإن قالوا) أي الشهود (عمدنا عليه بالزور ، ليقتل أو يقطع : فعليهم القصاص) ، في النفس أو الطرف ..
(وإن قالوا: عمدنا الشهادة عليه ، ولم نعلم أنه يقتل بها ، وكانا ممن يجوز أن يجهل ذلك: وجبت الدية في أموالهما مغلظة ، لإقرارهما بأن التلف حصل بسببهما . والعاقلة لا تحمل إقرارا كما تقدم. وإن قالوا: أخطأنا ، فعليهم دية ما تلف) مخففة ؛ لأنه خطأ ، وتكون في أموالهم ، لأنه بإقرارهم ، والعاقلة لا تحمله…
(وكل موضع وجب) فيه (الضمان على الشهود بالرجوع : فإنه) – أي الغرم – (يوزع بينهم على عددهم ، بحيث لو رجع شاهد من عشرة ، غرم العُشر) ؛ لأن التفويت حصل منهم كلهم ؛ فوجب التقسيط على عددهم ، كما لو اتفق جماعة وأتلفوا مالا لإنسان” انتهى.
ثانيا:
من مات أثناء إقامة الحد عليه، مات هدرا، إذا أقيم الحد على وجهه المشروع ، دون زيادة.
قال ابن قدامة في المغني: ” (فإن مات في جلده، فالحق قتله. يعني: ليس على أحد ضمانه) .
وهذا قول مالك، وأصحاب الرأي.
وبه قال الشافعي ، إن لم يزد على الأربعين، وإن زاد على الأربعين فمات، فعليه الضمان؛ لأن ذلك تعزير، إنما يفعله الإمام برأيه…
ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في سائر الحدود، أنه إذا أتي بها على الوجه المشروع، من غير زيادة، أنه لا يضمن من تلف بها؛ وذلك لأنه فعلها بأمر الله وأمر رسوله، فلا يؤاخذ به؛ ولأنه نائب عن الله تعالى، فكان التلف منسوبا إلى الله تعالى.
وإن زاد على الحد ، فتلف: وجب الضمان، بغير خلاف نعلمه؛ لأنه تلف بعدوانه، فأشبه ما لو ضربه في غير الحد” انتهى من المغني ” (9/ 164) .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب