0 / 0

بعض تطبيقات قاعدة “اليقين لا يزول بالشك”

السؤال: 300694

قرأت في بعض المواضع أن من شك في بقاء مدة المسح على الخفين لم يجز له المسح اتفاقا؛ لأنه رخصة شك في وجود شرطها، والأصل عدمه، هكذا فهمت، أليس هذا مخالفا لقاعدة اليقين لا يزول بالشك؛ فإن الأصل بقاء المدة؟ وهل من تيقن الطهارة وشك في الحدث ثم لبس خفيه مع هذا الشك لا يصح مسحه بناء على تعليلهم؟

الجواب

أولا:

الشك في بقاء مدة المسح على الخفين

من شك في بقاء مدة المسح على الخفين ، لم يجز له المسح باتفاق العلماء.

قال ابن قاسم رحمه الله في “حاشيته على الروض المربع” (1/231):

“وإن شك في بقاء المدة: لم يجز المسح، مقيما كان أو مسافرا؛ اتفاقا، لأن الأصل الغسل” انتهى.

هذا؛ مع أن الأصل بقاء المدة.

فاختلف العلماء في الجمع بين هذا، وبين قاعدة “اليقين لا يزول بالشك”، حيث إن المتيقن هنا هو بقاء المدة، لأنه الأصل، والمشكوك فيه انتهاؤها.

فذهب بعض العلماء إلى أن هذا الفرع مستثنى من القاعدة مع فروع أخرى، وهو ما اختاره ابن القاص والنووي من الشافعية.

قال النووي رحمه الله في “المجموع” (1/263):

“ذكر أبو العباس ابن القاص في كتابه “التلخيص” : أن كل من شك في شيء هل فعله أم لا ؟ فهو غير فاعل في الحكم ، ولا يزال حكم اليقين بالشك، إلا في إحدى عشرة مسألة ، إحداها : إذا شك ماسح الخف هل انقضت المدة أم لا؟ …

هذه مسائل صاحب التلخيص. قال القفال في شرحه للتلخيص: قد خالفه أصحابنا في هذه

المسائل كلها، فالمسألة الأولى في مسح الخف، قال أصحابنا: لم يترك فيها اليقين بالشك، بل لأن الأصل غسل الرجل، وشرط المسح بقاء المدة، وشككنا فيه، فعملنا بالأصل الغسل، هذا قول القفال. وفيه نظر ، والظاهر قول أبي العباس” انتهى.

وذهب آخرون من العلماء إلى أن هذا الفرع ليس مستثنى من القاعدة ، بل هو موافق لها ، ولكن من جهة أخرى غير الجهة السابقة ، وهو ما اختاره القفال من الشافعية وغيره ، وقد سبق نقل كلامه آنفا .

قال السيوطي رحمه الله :

“وقد نازع القفال وغيره في استثنائها بأنه لم يترك اليقين فيها بالشك ، وإنما عمل فيها بالأصل الذي لم يتحقق شرط العدول عنه ، لأن الأصل غسل الرجلين ، وشرط المسح بقاء المدة ، وشككنا فيه ؛ فعُمل بأصل الغسل” انتهى من “الأشباه والنظائر” (1/73).

وقال النووي في “المجموع” (1/517): مبينا ضابط مذهب الشافعي في هذه المسألة:

“ضابط المذهب: أنه متى شك في ابتداء المدة أو انقضائها، بنى على ما يوجب غسل الرجلين ، لأنه أصل متيقن، فلا يترك بالشك” انتهى.

وهو ما اختاره ابن قدامة وابن مفلح وغيرهما من الحنابلة .

قال ابن قدامة في “المغني” (1/371) : “لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ مَعَ الشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ” .

وفي “الكافي” (1/71):

” الأصل الغسل ، والمسح رخصة ، فإذا شككنا في شرطها رجعنا إلى الأصل” انتهى .

وقال ابن مفلح في “الفروع” (1/211):

“وَإِنْ شَكَّ فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ : لَمْ يَمْسَحْ وفاقا للأئمة الثلاثة [يعني أبي حنيفة ومالكا والشافعي] ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْغُسْلُ” انتهى .

وينظر : كتاب “اليقين لا يزول بالشك” (ص228) للدكتور يعقوب الباحسين .

ثانيا :

من تيقن الطهارة وشك في الحدث

اختلف العلماء فيمن تيقن الطهارة وشك في الحدث ، فذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه يلزمه الوضوء، ولا يجوز له الصلاة بهذا الشك .

وذهب جمهور العلماء إلى أنه على وضوئه، ولا يلتفت إلى هذا الشك .

واستدل الفريقان بهذه القاعدة “اليقين لا يزول بالشك” .

أما الإمام مالك رحمه الله فقال: إن الصلاة واجبة ومتعلقة بذمة المكلف بيقين ، فلا تبرأ ذمته منها بالشك .

وأما الجمهور فقالوا: ما دام الأصل هو الوضوء ، فهو المتيقن ، والحدث هو الشك الطارئ ، فلا يزول به اليقين .

قال ابن القيم رحمه الله في كلامه على أنواع الاستصحاب :

“النوع الثاني : استصحاب الوصف المثبت للحكم حتى يثبت خلافه ، وهو حجة ، كاستصحاب حكم الطهارة وحكم الحدث ، واستصحاب بقاء النكاح ، وبقاء الملك ، وشغل الذمة بما تشغل به حتى يثبت خلاف ذلك …

ولم يتنازع الفقهاء في هذا النوع ، وإنما تنازعوا في بعض أحكامه ، لتجاذب المسألة أصلين متعارضين .

مثاله : أن مالكا منع الرجل إذا شك هل أحدث أم لا ، من الصلاة حتى يتوضأ ، لأنه وإن كان الأصل بقاء الطهارة ، فإن الأصل بقاء الصلاة في ذمته ، فإن قلتم : لا نخرجه من الطهارة بالشك ، قال مالك : ولا ندخله في الصلاة بشك ، فيكون قد خرج منها بالشك . فإن قلتم:  يقين الحدث قد ارتفع بالوضوء فلا يعود بالشك ، قال منازعهم : ويقين البراءة الأصلية قد ارتفع بالوجوب فلا يعود بالشك . قالوا : والحديث الذي تحتجون به من أكبر حججنا ، فإنه منع المصلي بعد دخوله في الصلاة بالطهارة المتيقنة ، أن يخرج منها بالشك ، فأين هذا من تجويز الدخول فيها بالشك” انتهى من “أعلام  الموقعين” (2/159- 161) .

فعلى قول الإمام مالك : لا يجوز له المسح على الخفين قطعا ، لأن الإمام مالكا يوجب عليه الوضوء .

وعلى قول الجمهور ، لا مانع من المسح ، لأن هذا الشك تم طرحه ولم يلتفت إليه ، وحكمنا بالوضوء ، استصحابا للحال السابق ، فإن لبس الخف ، فقد لبسه على طهارة صحيحة ، فلا حرج من المسح عليه .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android