قرأت في تغريدة عن موقف للرسول صلى الله عليه وسلم مع أعرابي ، حيث قال له الأعرابي : "ألا تنجز لي ماوعدتني به ؟ " فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : (أبشر) فهل كلمه أبشر تعتبر من السنن المهجورة؟ وقولنا لها نؤجر عليه ؟
هل من السنة جواب السائل بكلمة أبشر ؟
السؤال: 301038
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
من مقاصد رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يكون مبشرا للمؤمنين المتقين ، بكل خير في الدنيا والآخرة .
قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا الأحزاب (45 – 47).
وفي سورة الفتح : إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا الفتح/45 .
قال السعدي رحمه الله :
"ومبشرا من أطاعك وأطاع الله بالثواب الدنيوي والديني والأخروي" انتهى من "تفسير السعدي "(ص792) .
وقد وقع في كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه كلمة : "أبشر" ، وهذا داخل في الآية السابقة ، وهو أيضا من حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث يبشر السائل بما يسره ، وبحصول مقصوده ، وهو من الكلام الطيب الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه صدقة .
فعن أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلاَ تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي؟
فَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ .
فَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ.
فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلاَلٍ كَهَيْئَةِ الغَضْبَانِ، فَقَالَ: رَدَّ البُشْرَى، فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا .
قَالاَ: قَبِلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا وَأَبْشِرَا فَأَخَذَا القَدَحَ فَفَعَلاَ، فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: أَنْ أَفْضِلاَ لِأُمِّكُمَا، فَأَفْضَلاَ لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً " رواه البخاري (4328) ، ومسلم (2497).
قال ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قوله ( أَبْشِرْ ) أي بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل على الصبر " انتهى من "فتح الباري" (8 / 46).
وعَن عَمْرَو بْن عَوْفٍ الأَنْصَارِيّ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الجَرَّاحِ إِلَى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَالَحَ أَهْلَ البَحْرَيْنِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمُ العَلاَءَ بْنَ الحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَتْ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ الفَجْرَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ؟
قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ " رواه البخاري (3158) ، ومسلم (2961).
قال ابن حجر:
" قوله: ( فأبشروا ) أمْر، معناه الإخبار بحصول المقصود " انتهى من "فتح الباري" (6 / 263).
وهذا يدل على أن الرد على السائل بتبشيره من الأخلاق الكريمة.
وقول : "أبشر" : ليس من السنة المهجورة ، لأن المقصود ليس هو مجرد اللفظ ، وإنما المقصود هو تبشير المسلم ، وإدخال السرور عليه ، وحسن مجاوبته ، بأي لفظ كان ، وبأي لسان يعتادونه.
بل يظهر حصول هذه الفضيلة، لو عمل له ما يسره فعلا ، كأن يهديه ، أو ينفذ له طلبه ، أو يتبسم في وجهه ، أو نحو ذلك ؛ ولو لم يكن معه قول قط ، أو كلام مجرد .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" وهذا – التبشير – يستعمله النبي عليه الصلاة والسلام كثيرا، يبشر أصحابه بما يسرهم، ولهذا ينبغي للإنسان أن يحرص على إدخال السرور على إخوانه ما استطاع، بالبشارة ، والبشاشة وغير ذلك " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (2 / 226).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب