لدى والدي أشجار زيتون ، ورثها عن أبيه ، لا تسقى سوى بالأمطار ، في موسم جنيه نحضر عمالا لذلك مقابل ثلث المحصول ، ونأخذ الثلثين ، بعد عصره نقوم بإخراج الزكاة زيتا ، فإن كان مقدار الزيت 100 لتر مثلا ، نخرج 10 لتر زكاة ، فهل يجب علينا إخراج الزكاة عن الزيتون الذي يأخذه العمال أيضا أم طريقتنا صحيحة ؟
هل تخصم تكاليف جني الزيتون، عند زكاته؟
السؤال: 302801
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
إخراج الزكاة عن الزيتون، من مسائل الخلاف بين أهل العلم.
فذهب الحنفية والمالكية ورواية عن الإمام أحمد وجوب الزكاة فيه.
فأما الحنفية فعمدتهم عموم القرآن.
قال القدوري رحمه الله تعالى:
” قال أبو حنيفة: يجب العشر في كل شيء يخرج من الأرض مما تبتغي زراعته في الأرض…
لنا: قوله تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ )، ولم يفصل. وقال الله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) وهذا نص في وجوب الحق في جميع المذكور في الآية ” انتهى من “التجريد” (3 / 1278).
وأما المالكية فعمدتهم أن أصناف المزروعات التي كانت تأخذ منها الزكاة في عصر النبوة العلة فيها هي الادخار والاقتيات ، والزيتون وزيته يدخر، وهو إن لم يكتف به في الاقتيات؛ إلا أنه مصلح له وشبيه به.
قال الخليل ابن إسحاق رحمه الله تعالى:
” الْحَرْثُ: وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ الْمُقْتَاتُ الْمُدَّخَرُ لِلْعَيْشِ غَالِباً. وَفِيها: لا زَكَاةَ إِلا فِي الْعِنَبِ، والزَّيْتُونِ، والتَّمْرِ، والْحَبِّ، والْقِطْنِيِّةِ…
وما ذكره في الزيتون والجلجلان هو المشهور…
وقد يقال أنه وإن لم يكن مقتاتاً فإن له مدخراً وهو مصلح للقوت ” انتهى من “التوضيح” (2 / 320).
وذهب الشافعية والرواية الأخرى عن الإمام أحمد – وهي مذهبه- إلى أنه لا زكاة فيه؛ والشافعية وإن وافقوا المالكية في علة زكاة الزروع والثمار؛ إلا أنهم خالفوهم في دخول الزيتون في العلة؛ لأنه لا يكتفى به كقوت.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى:
” ومنهم من قال: الزكاة في جميع المدخر المقتات من النبات ، وهو قول مالك والشافعي…
والذين اتفقوا على المقتات اختلفوا في أشياء من قبل اختلافهم فيها، هل هي مقتاتة أم ليست بمقتاتة ؟ وهل يقاس على ما اتفق عليه أو ليس يقاس؟
مثل اختلاف مالك والشافعي في الزيتون، فإن مالكا ذهب إلى وجوب الزكاة فيه، ومنع ذلك الشافعي في قوله الأخير بمصر.
وسبب اختلافهم : هل هو قوت أم ليس بقوت؟ ” انتهى من “بداية المجتهد” (2 / 74 – 75).
والمذهب في المذهب الحنبلي أن الزيتون لا زكاة فيه ؛ لأن العلة عندهم في الزروع والثمار هي أن تكون صالحة للادخار والكيل ، والزيتون ليس صالحا للادخار يابسا فهو أشبه بالخضروات.
قال الزركشي:
” قال – أي الخرقي -: ( وكل ما أخرج الله عز وجل من الأرض مما ييبس ويبقى، مما يكال ويدخر، ويبلغ خمسة أوسق فصاعدا، ففيه العشر، إن كان سقيه من السماء والسيوح، وإن كان يسقى بالدوالي والنواضح وما فيه الكلف فنصف العشر ) …
ثم اعلم أنه قد خرج من كلام الخرقي رحمه الله الزيتون، لأنه لا ييبس، ولا يدخر على حاله، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، واختيار أبي بكر، والقاضي في التعليق، لفوات الشروط السابقة ” انتهى من”شرح مختصر الخرقي” (2 / 467 – 473).
وقد سبق الإشارة إلى الخلاف في المسألة، وبيان القول المختار في جواب السؤال رقم : (170374)
ولا شك أن مذهب الحنفية والمالكية هو الأحوط لحق المساكين.
جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء”:
” في وجوب الزكاة للزيتون خلاف ، والأحوط لك إخراج الزكاة عنه إذا بلغت الثمرة نصابا وهو خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، ومقدار الزكاة عشر الثمرة.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز ” انتهى. “فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية” (8 / 51).
ثانيا:
إذا كان صاحب الزيتون يخرج زكاته ، إما احتياطا لحق الفقراء والمساكين ، أو لأن هذا هو المذهب الذي يتدين لله به ؛ فهل له أن يخصم نفقات جني الزيتون قبل إخراج الزكاة ، أم لا؟
هذه المسألة اختلف فيها الصحابة رضوان الله عليهم، كما روى ابن أبي شيبة في “المصنف” (6 / 230) – بإسناد صححه محقق الكتاب -، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: ” عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يُنْفِقُ عَلَى ثَمَرَتِهِ.
فَقَالَ: أَحَدُهُمَا يُزَكِّيهَا.
وَقَالَ الْآخَرُ: يَرْفَعُ النَّفَقَةَ وَيُزَكِّي مَا بَقِيَ “.
والقول بإخراج الزكاة على كل المحصول ، وعدم خصم النفقات ، هو الذي اختاره أصحاب المذاهب الأربعة.
قال فخر الدين الزيلعي الحنفي رحمه الله تعالى:
” (ولا ترفع المؤن) أي في كل ما أخرجته الأرض، لا تحتسب أجرة العمال ونفقة البقر وكري الأنهار وأجرة الحافظ وغير ذلك… ” انتهى من “تبيين الحقائق” (1 / 294).
وقال ابن رشد المالكي رحمه الله تعالى:
” وسئل (أي الإمام مالك ) فقيل له: فالرجل يستأجر الأجراء على زيتونه يلتقطونه على أن لهم الثلث وله الثلثان، على من ترى زكاة الثلث الذي يأخذه الأجراء في التقاطهم إياه، فقال: أرى زكاة ذلك على رب الزيتون الذي استأجرهم، يؤخذ ذلك منه زيتا.
قال محمد بن رشد: قوله: إن زكاة ما يأخذ الأجراء من الزيتون على رب الزيتون: صحيح؛ لأن التقاط الزيتون كحصاد الزرع، وجداد التمر، وذلك على رب المال، فلا اختلاف في ذلك عند من يوجب الزكاة في الزيتون ” انتهى من “البيان والتحصيل” (2 / 495 – 496).
وقال النووي الشافعي رحمه الله تعالى:
” قال أصحابنا : ومؤنة – تجفيف التمر وجذاذه وحصاد الحب وحمله ودياسه وتصفيته وحفظه وغير ذلك من مؤنة: تكون كلها من خالص مال المالك، لا يحسب منها شيء من مال الزكاة بلا خلاف ، ولا تخرج من نفس مال الزكاة، فإن أخرجت منه لزم المالك زكاة ما أخرجه من خالص ماله، ولا خلاف في هذا عندنا ” انتهى من “المجموع” (5 / 467).
وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله تعالى:
” ووقت الإخراج للزكاة بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمار؛ لأنه أوان الكمال وحال الادخار. والمؤنة التي تلزم الثمرة إلى حين الإخراج على رب المال؛ لأن الثمرة كالماشية، ومؤنة الماشية وحفظها ورعيها، والقيام عليها إلى حين الإخراج، على ربها، كذا هاهنا ” انتهى من “المغني” (4 / 179 – 180).
وقال ابن حزم رحمه الله تعالى:
” أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التمر والبر والشعير: الزكاة جملة إذا بلغ الصنف منها خمسة أوسق فصاعدا؛ ولم يسقط الزكاة عن ذلك بنفقة الزارع وصاحب النخل؛ فلا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآن ولا سنة ثابتة.
وهذا قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وأصحابنا ” انتهى من “المحلى” (4 / 66).
وقد سبق في الموقع بيان القول المختار في المسألة ، وأن وتكاليف جمع الزيتون لا تسقط من الزكاة ، إلا إذا لم يكن عند المزارع مال واستدان لأجل ذلك. ينظر جواب السؤال رقم :(170374) .
وسُئلت “اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء”:
” زرعت قطعة أرض بمحصول الشعير، وبعد نباتها أعطيتها لشخص آخر، يقوم بحصاد تلك الزرع مقابل ثلث الحصيلة من هذا الزرع، وكان المحصول 30 إردبا، أخذت أنا عشرين إردبا، وأخذ الحصاد عشرة أرادب. فعلى من فينا تكون زكاة العشرة أرادب التي أخذها هو من زرعي مقابل الحصاد؟
فأجابت: الزكاة تجب في المحصول كله ، وتخرج من نصيب صاحب الزرع ، وليس على الذي تولى الحصاد زكاة؛ لأنه أجير.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة ” (9 / 247).
وسُئلت أيضا:
” لدي مزرعة مغروسة بأشجار الزيتون، وتسقى بماء السماء، والمعلوم أن زكاتها عشرية، لكن هذه المزرعة لها تكاليف من حراثة وسماد وقطاف. . إلخ ، ربما يبلغ ربع إنتاجها، فهل تكون الزكاة على مجمل الإنتاج أم تخصم التكاليف من الإنتاج وتخرج الزكاة؟
فأجابت: … وأما التكاليف فإنها لا تخصم من الثمرة بل يزكى جميع الثمرة.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية” (8 / 51).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة