تنزيل
0 / 0

التصرفات النبوية

السؤال: 303661

ما رأي العلماء في التفصيل الذي أورده الطاهر بن عاشور حول مقامات النبوة ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا :

قال الطاهر ابن عاشور رحمه الله : ” وقد عرض لي الآن أن أعدّ من أحوال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – التي يصدر عنها قول منه أو فعل – اثني عشر حالًا . منها ما وقع في كلام القرافي ، ومنها ما لم يذكره.

وهي : التشريع ، والفتوى ، والقضاء ، والإمارة ، والهدي ، والصلح ، والإشارة على المستشير ، والنصيحة ، وتكميل النفوس ، وتعليم الحقائق العالية ، والتأديب ، والتجرّد عن الإرشاد “.

ثم قال :

” وهذه الأحوال الثلاثة [الأولى] كلُّها شواهد التشريع ، وليست التفرقة بينها إلا لمعرفة اندراج أصول الشريعة تحتها .

والفتوى والقضاء: كلاهما تطبيق للتشريع ” ، انتهى من “مقاصد الشريعة” (3/ 99).

وفصَّل في بقية الأنواع ، وذكر أمثلة لكل نوع .

ثانيًا :

ينبغي أن يعلم أن الغالب في التصرفات النبوية هو التشريع ، فالأصل أن يحمل على التشريع العام إلا بدليل.

قال ابن عاشور: ” واعلم أن أشد الأحوال التي ذكرناها اختصاصاً برسول الله – صلى الله عليه وسلم – هي حالة التشريع ، لأن التشريع هو المراد الأول لله تعالى من بعثته ، حتى حصر أحواله فيه في قوله تعالى: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ).

فلذلك يجب المصير إلى اعتبار ما صدر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الأقوال والأفعال، فيما هو من عوارض أحوال الأمة: صادراً مصدر التشريع ؛ ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك ” انتهى من “مقاصد الشريعة” (3/ 136).

ولا بد من “مراعاة القرائن ، فالحكم على التصرف بأنه باعتبار الإمامة أو القضاء : يتطلب النظر في القرائن المصاحبة للواقعة ، وليس هو من قبيل التوقع والتخمين ، فهو اجتهاد تفصيلي يدقق في واقعة معينة .

ولا بد من الوعي بحقيقة كل تصرف ، فيجب أن يعرف حقيقة التصرف ، وما يمكن أن يدخل ، مما لا يمكن ، ولهذا تجد عند الفقهاء وعيًا بهذا، فالعبادات مثلًا لا تحتمل إلا التشريع .

فالنظر في التصرفات النبوية : يقوم على نظر جزئي تفصيلي ، يتجاوز مجرد الوعي بوجود قاعدة تتعلق بالتمييز بين التصرفات النبوية ، وهذه طبيعية الاجتهاد الفقهي ، لا يتوقف عند الوعي بالقواعد العامة لأنها غير كافية ما لم تصحب بنظر تفصيلي في الوقائع ، يعتمد على فهم لجزئيات الشريعة الأخرى ” ، انتهى .
انظر: ” تصرف النبي صلى الله عليه وسلم باعتباره إمامًا” لفهد العجلان” ، رابط المادة: http://iswy.co/e283ji

ثالثًا :

قد تقرر : أن الأصل في أقواله صلى الله عليه وسلم أنها للتشريع ، لأنه مبلغ عن ربه ، مرسل لهداية الخلق ، مأمور بالبيان ، كما قال تعالى :  وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ  النحل/44 ، وقال :  يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ  المائدة/67 .
ويدل على أن الأصل في أقواله صلى الله عليه وسلم أنها للتشريع : ما روى أبو داود (3646) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : ” كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ ، وَقَالُوا : أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ :   اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقّ   “.
وقد يقول صلى الله عليه وسلم القول لا يريد به التشريع ، وهذا خلاف الأصل ، ولابد من دليل يبين أنه لغير التشريع ، كما في قصة تأبير النخل المشهورة ، وقد رواها مسلم (2361) عن طَلْحَةَ قَالَ : ” مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ ، فَقَالَ : مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ ؟ فَقَالُوا : يُلَقِّحُونَهُ ، يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الْأُنْثَى فَيَلْقَحُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا ) قَالَ : فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ، فَقَالَ :   إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ ، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا ، فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللَّهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَل  “.

ورواه مسلم (2363) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه : ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ :  لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ  قَالَ فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ : مَا لِنَخْلِكُمْ ، قَالُوا : قُلْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ :  أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُم   “.
والشيص : البسر الرديء ، الذي إذا يبس صار حشفا .
فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك ظنا ، فخرج بهذا عن أن يكون تشريعا .

وما لم يخبر فيه بذلك: فالأصل فيه التشريع، ووجوب الائتساء به صلى الله عليه وسلم، والوقوف عند حده فيه.
وأما أفعاله صلى الله عليه وسلم فقد تصدر منه على وجه التشريع ، وقد تكون من أفعال الجبلة والعادة التي هي مقتضى البشرية ، كالأكل والشرب والقيام والقعود ، وقد يكون الفعل خاصا به صلى الله عليه وسلم .

وانظر ما سبق من تفصيل ذلك في الجواب رقم : (258503).

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android