توفي أبي رحمه الله ووجدنا بعد وفاته بخزانة ملابسه وصية هذا نصها :
“الحمدلله رب العالمين، أنا ـ وذكر أسمه ـ أوصي بما أملك من عقارات من عمائر وأراضٍ سكنية، وزراعية بالمدينة، أن يكون ربعها ينفق على برك الصدقة، ومساجدي، والأقربين، والباقي وقف على ذكور أولادي كبيرهم وصغيرهم، وبنت الظهر تأكل ولا تورث، وناظر الوقف، ـ وسمى ابنه الأكبرـ ، والباقي من الزوجات تعطى استحقاقها كاملا، وعلى هذه الوصية جرى التوقيع
السؤال الآن:
هل يصح الوقف المعلق بالموت، علما أنه لم ينجزه في حياته، ولم يعلم عنه أحد إلا بعد الوفاة ؟ ثم إذا كان لا يصح وقفا وإنما يأخذ حكم الوصية، فهل تصح الوصية للورثة، وتحديد الأبناء وأبنائهم والبنات دون أبنائهم بأن يأكلون من الوقف وإخراج الزوجات بأن يأخذو حقهم كاملا ؟
وإذا قلنا إن الوقف لا يصح بل ياخذ حكم الوصية، وومن ثم ينفذ في الثلث من التركة ، والباقي يقسم شرعا ، فهل يجمع الثلث هنا مع الربع الموصى به أو لا ؟
علما أن حال الورثة الحالي لا يستوي، بحيث بعضهم مقتدر ماليًا، والبقية لا يملك شيئًا، ويفضل القسم الثاني أن يأخذوا نصيبهم الشرعي دون إتمام الوقف ، فهل يحق للناظر مراعاة أحوال الورثة، والبحث عن الأصلح لهم؟
ووصى بربع ماله ووقف الباقي على ورثته بعد إخراج نصيب الزوجات
السؤال: 308234
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
يصح الوقف المعلق على الموت عند جمهور الفقهاء. وهو وقف من وجه، وصية من وجه.
قال ابن قدامة في المقنع ص 239 في شروط الوقف: ” الرابع: أن يقف ناجزاً ؛ فإِن علقه على شرط : لم يصح ؛ إِلا أن يقول: هو وقف بعد موتي ، فيصح في قول الخرقي. وقال أبو الخطاب لا يصح” انتهى.
وفي “الموسوعة الفقهية” (44/ 123): ” لكن يستثنى عند الجمهور الوقف المعلق على الموت، كما إذا قال: إن مت فأرضي هذه موقوفة على الفقراء، فإن الوقف يصح؛ لأنه تبرع مشروط بالموت.
ويعتبر وصية بالوقف، وعندئذ يجري عليه حكم الوصية في اعتباره من الثلث كسائر الوصايا.
والدليل على صحة تعليق الوقف بالموت ، واعتباره وصية : أن عمر رضي الله عنه وصى ، فكان في وصيته: ” هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين ، إن حدث به حدث الموت: أن ثَمْغا صدقة ” ، ووقفه هذا كان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، واشتهر في الصحابة ولم ينكر، فكان إجماعا” انتهى.
وينظر: جواب السؤال رقم : (264216).
ثانيا:
هذا الوقف يتقيد بالثلث، إلا أن يجيز الورثة ما زاد على الثلث.
وإذا كان المتوفى قد أوصى بالربع، ووقف الباقي وقفا معلقا على الموت بعد نصيب الزوجات، فهاتان وصيتان، وتخرجان جميعا من الثلث، إلا أن يجيز الورثة ما زاد على ذلك.
ويرجع إلى المحكمة الشرعية في طريقة التنفيذ.
ثالثا:
من وقف على أولاده : لم يدخل فيهم أولاد البنات.
قال في زاد المستقنع: ” وَإِنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ ، أَوْ وَلَدِ غَيْرِهِ ، ثُمَّ عَلَى المَسَاكِينِ: فَهُوَ لِوَلَدِهِ، الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، ثُمَّ وَلَدِ بَنِيهِ، دُونَ بَنَاتِهِ ، كَمَا لَوْ قَالَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ، وَذُرِّيَّتِهِ لِصُلْبِهِ”.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” قوله: دون بناته، أي: دون ولد بناته، فإن أولاد البنات لا يدخلون في الولد، فإذا قال: هذا وقف على أولادي، وله ثلاثة ذكور وبنت، ومات هؤلاء الأربعة، الذكور والبنت وخلفوا أبناءً فيستحقه أولاد البنين، وأما أولاد البنت فليس لهم حق.
ودليل ذلك في القرآن الكريم، قال الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ [النساء: 11]، وأجمع العلماء على أن أولاد البنات لا يدخلون في الأولاد؛ لأن أولاد البنات من ذوي الأرحام ، وليسوا من أولاده، فكذلك إذا قال: وقف على أولادي، وكان له أولاد أبناء ، وأولاد بنات؛ فأولاد البنات لا يستحقون شيئاً؛ لأنهم لا يدخلون في اسم الأولاد ، وهو في القرآن ظاهر، وكذلك هو مقتضى العرف واللغة، يقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائِنا وبناتُنا *** بنوهن أبناءُ الرجالِ الأباعدِ
وحتى في العاقلة ـ مثلاً ـ أي: عند تحمل الدية ـ فإن أولاد البنات لا يتحملون، وحتى في ولاية النكاح، أولاد البنات ليس لهم ولاية.
وعلى هذا فنقول: أولاد البنات لا يدخلون في الوقف على الأولاد، والدليل من القرآن ومن اللغة” انتهى من “الشرح الممتع” (11/ 44).
هذا إذا أطلق الواقف التعبير فقال: على أولادي وأولادهم ، أو ثم أولادهم.
وأما إذا صرح بأن أولاد البنات لا يدخلون، فقد زاد الأمر وضوحا وبيانا ، بحيث يقطع الخلاف.
وما دمتم في بلد به محاكم شرعية ، فالذي ننصح به أن ترجعوا إلى المحكمة الشرعية لضبط الوقف والإشراف على تنفيذه .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة