قال النبي صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب…الخ )، الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يستطيع فعل ذلك للسبب الموجود في الحديث الآخر ( لولا ما في البيوت من النساء والذرية)، فإذا انتفت العلّة هل يصير الواجب على أولياء المسلمين حرق من يترك صلاة الجماعة؟
هل عقوبة تارك الجماعة هي حرق بيته ؟
السؤال: 308899
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
روى البخاري (644)، ومسلم (651) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ، فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ، أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ .
(عَرْقا) عظما عليه بقية لحم قليلة. (مِرماتين) مثنى مرماة، وهي ظِلف الشاة، أي قدمها.
وروى أحمد (8796) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ، لَأَقَمْتُ الصَّلَاةَ، صَلَاةَ الْعِشَاءِ، وَأَمَرْتُ فِتْيَانِي يُحْرِقُونَ مَا فِي الْبُيُوتِ بِالنَّارِ .
وإسناده ضعيف كما ذكر أحمد شاكر، وشعيب الأرنؤوط؛ لضعف أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي، أحد رواته.
ورواية البخاري ومسلم وأصحاب السنن ليس فيها هذه الزيادة، وهي التعليل بوجود النساء والذرية.
وعليه، فقد هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة بلا عذر، ولم يفعل، وهذا من رحمة الله والحمد لله.
فلا يقال: إنه لو كان المتخلف لا نساء معه ولا ذرية، فإنه يحرق بيته؛ لأن هذه عقوبة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يستفصل عن بيوت التاركين هل فيها نساء وذرية أم لا، فدل على أنه لم يشرع هذه العقوبة أصلا، فليس هذا مجرد عدول عن عقوبة مشروعة ، لسبب ، قد يثبت، أو قد يرتفع ؛ لا ، بل هو عدول عن “تشريع” هذه العقوبة المذكورة، حتى وإن كان سبب العدول ، أو حكمته : هو وجود النساء والذرية في بيوت المتخلفين، أو في غالبها .
ولهذا لم يقل بها أحد من أهل العلم، قط .
وأقصى ما يفيد الحديث هو وجوب الصلاة في الجماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يهم بإيقاع هذه العقوبة إلا لترك واجب.
قال ابن المنذر رحمه الله : ” وفي اهتمامه بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم : أبينُ البيان على وجوب فرض الجماعة؛ إذ غير جائز أن يحرق الرسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض ” انتهى من “الأوسط” (4/ 134).
ثانيا:
العقوبة التي هم بها النبي صلى الله عليه وسلم هي تحريق بيت المتخلف عن الجماعة، وليس تحريق المتخلف، كما يفهم من سؤالك.
قال ابن رجب رحمه الله: ” فإن زعم زاعم أن التحريق منسوخ؛ لأنه من العقوبات المالية، وقد نُسخت، وربما عضد ذَلِكَ بنهي النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن التحريق بالنار.
قيل لَهُ: دعوى نسخ العقوبات المالية بإتلاف الأموال لا تصح، والشريعة طافحة بجواز ذَلِكَ، كأمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتحريق الثوب المعصفر بالنار، وأمره بتحريق متاع الغال، وأمره بكسر القدور الَّتِيْ طبخ فيها لحوم الحمر الأهلية، وحرق عُمَر بيت خمار.
ونص عَلَى جواز تحريق بيت الخمار أحمد وإسحاق: نقله عنهما ابن منصور فِي (مسائله)، وَهُوَ قَوْلِ يَحْيَى بْن يَحْيَى الأندلسي، وذكر أن بعض أصحابه نقله عَن مَالِك، واختاره ابن بطة من أصحابنا.
وروي عَن عَلِيّ – أيضاً – وروي عَنْهُ أَنَّهُ أنهب مالَه.
وعن عُمَر، قَالَ فِي الَّذِي يبيع الخمر: كسروا كل آنية لَهُ، وسيروا كل ماشية
لَهُ. خرجه وكيع فِي (كتابه).
وأما نهيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن التحريق بالنار، فإنما أراد بِهِ تحريق النفوس وذوات الأرواح.
فإن قيل: فتحريق بيت العاصي يؤدي إلى تحريق نفسه، وَهُوَ ممنوع.
قيل: إنما يقصد بالتحريق دارهُ ومتاعهُ، فإن أتى عَلَى نفسه لَمْ يكن بالقصد، بل تبعاً، كما يجوز تبييتُ المشركين وقتلهم ليلاً، وقد أتى القتل عَلَى ذراريهم ونسائهم” انتهى من “فتح الباري” لابن رجب (5/ 460).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب