0 / 0

مقولة فلان يسبح بحمد فلان

السؤال: 308932

ما حكم قول عبارة " فلان يسبح بحمد فلان" حيث تقال هذه العبارة كثيرا في مواقع التواصل، وقد قلتها مرة، وأخاف أن أكون قد وقعت في أمور كفرية؟ وإذا كان قولها كفرا، فماذا علي أن أفعل؟

ملخص الجواب

لا يظهر لنا أن مجرد إطلاق عبارة  ” فلان يسبح بحمد فلان” : مما يقتضي كفرا لقائلها؛ فإن مراد الناس بذلك: أنه يلزم شكره والثناء عليه، غير أنه بالغ في ذلك، وأطلق من القول ما له إطلاقه على غير الله، وغايته أن يكون من الشرك اللفظي، كما في قول: ما شاء الله وشئت، ونحو ذلك مما منع منه الشرع . فالاحتياط الامتناع عن مثل هذه الإطلاقات، والتحرز منها قدر الطاقة ؛ فقد جاء الشرع مؤدبا للعباد : أن يتخيروا ألفاظهم، ويحسنوا المنطق، مع حسن القصد؛ فليس يكفي أن يكون قصد القائل حسنا نبيلا؛ حتى يتخير له اللفظ النبيل الحسن المقبول في الشرع.

الجواب

أولا: كلمة " يسبح بحمده " من الألفاظ الشرعية ومعناها .

كلمة "يسبح بحمده"؛ هي من الألفاظ الشرعية التي جاء بها الوحي ، وهي تصرف لله وحده؛ لأنها تثبت لله تعالى الكمال المطلق اللائق به وحده سبحانه وتعالى، بالتسبيح: وهو التنزيه المطلق بنفي كل نقص، وبالحمد: وهو الثناء بكل كمال.

كقوله تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ الحجر/98.

قال الشيخ المفسّر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:

"  "قوله تعالى: ( فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ).

وأصل التسبيح في اللغة: الإبعاد عن السوء. ومعناه في عرف الشرع: تنزيه الله جل وعلا عن كل ما لا يليق بجلاله وكماله. ومعنى ( فَسَبِّحْ ): نزه ربك جل وعلا عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله.

وقوله: ( بِحَمْدِ رَبِّكَ ) أي: في حال كونك متلبسا بحمد ربك، أي: بالثناء عليه بجميع ما هو أهله من صفات الكمال والجلال؛ لأن لفظة: ( بِحَمْدِ رَبِّكَ ) أضيفت إلى معرفة فتعم جميع المحامد من كل وصف كمال وجلال ثابت لله جل وعلا. فتستغرق الآية الكريمة الثناء بكل كمال؛ لأن الكمال يكون بأمرين:

أحدهما: التخلي عن الرذائل، والتنزه عما لا يليق، وهذا معنى التسبيح.

والثاني: التحلي بالفضائل والاتصاف بصفات الكمال، وهذا معنى الحمد، فتم الثناء بكل كمال " انتهى من "أضواء البيان" (3 / 245 – 246).

وقال الإمام أبو منصور الأزهري، رحمه الله :

" قال الليث: سبحان الله: تنزيه لله عن كل ما لا ينبغي له أن يوصف به.

قال: ونصبه : أنه في موضع فعل ، على معنى : تسبيحا له، تقول: سبحت الله ، تسبيحا ؛ أي نزهته ، تنزيها. وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الزجاج في قول الله جل وعز: سبحان الذى أسرى بعبده ليلا (الإسراء: 1) منصوب على المصدر، أسبح الله تسبيحا.

قال: وسبحان في اللغة: تنزيه لله عز وجل عن السوء.

قلت: وهذا قول سيبويه، يقال: سبحت الله تسبيحا ، وسبحانا ، بمعنى واحد، فالمصدر: تسبيح، والاسم: سبحان يقوم مقام المصدر.

قال سيبويه: وقال أبو الخطاب الكبير: سبحان الله، كقولك: براءة الله من السوء، كأنه قال: أبرىء الله من السوء. ومثله قول الأعشى : ( سبحان من علقمة الفاخر ) ؛ أي: براءة منه.

قلت: ومعنى تنزيه الله من السوء: تبعيده منه، وكذلك تسبيحه تبعيده، من قولك: سبحت في الأرض إذا أبعدت فيها …

وجماع معناه: بُعده تبارك وتعالى عن أن يكون له مثل، أو شريك، أو ضد، أو ند.

وقال الفراء في قول الله جل وعز: العذاب محضرون فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون (الروم: 17) الآية : فصلوا لله حين تمسون، وهي المغرب والعشاء، وحين تصبحون: صلاة الفجر، وعشيا: العصر، وحين تظهرون: الأولى.." انتهى، باختصار، من "تهذيب اللغة" (4/196-197).


ثانيا: لا يجوز إضافة التسبيح لغير الله تعالى 

نص أهل العلم على أن التسبيح لا يجوز إضافته لغير الله تعالى، ولا يصح أن يسبح سواه ، ولا يعرف هذا في إطلاقات أهل الإسلام، ومجاز لغاتهم.

قال العز بن عبد السلام رحمه الله: " التسبيح: التنزيه من السوء على وجه التعظيم، فلا يُسبَّح غير الله تعالى؛ لأنه قد صار مستعملاً في أعلى مراتب التعظيم التي لا يستحقها سواه" انتهى من تفسيره (1/ 115).

ويتأكد المنع من ذلك إذا كان يقرنه بالحمد ، كما هو وارد في السؤال، فإن أحدا من الخلق لا يستحق أن يسبح بحمده، بل الله جل جلاله: هو مولي النعمة، وهو المستحق للحمد، وحده سبحانه، وإنما يحمد الخلائق، بما أذن سبحانه، لا بضرب الأمثال، ولا إطلاق الثناء المستحق له سبحانه، على من سواه.

وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم :(315862) .

غير أنه لا يظهر لنا أن مجرد إطلاق هذه العبارة: مما يقتضي كفرا لقائلها؛ فإن مراد الناس بذلك: أنه يلزم شكره والثناء عليه، غير أنه بالغ في ذلك، وأطلق من القول ما له إطلاقه على غير الله، وغايته أن يكون من الشرك اللفظي، كما في قول: ما شاء الله وشئت، ونحو ذلك مما منع منه الشرع .

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (221105) ورقم: (255808) .

وبكل حال، فالاحتياط الامتناع عن مثل هذه الإطلاقات، والتحرز منها قدر الطاقة ؛ فقد جاء الشرع مؤدبا للعباد : أن يتخيروا ألفاظهم، ويحسنوا المنطق، مع حسن القصد؛ فليس يكفي أن يكون قصد القائل حسنا نبيلا؛ حتى يتخير له اللفظ النبيل الحسن المقبول في الشرع.

قال الله تعالى:  وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا  الإسراء/53.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" يأمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمر عباد الله المؤمنين، أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسن والكلمة الطيبة؛ فإنه إذ لم يفعلوا ذلك، نزغ الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة، فإن الشيطان عدو لآدم وذريته من حين امتنع من السجود لآدم، فعداوته ظاهرة بينة " انتهى من "تفسير ابن كثير" (5 /86 – 87).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android