كيف نفرق بين صيام مقصود لذاته وصوم غير مقصود لذاته ، حتى تصح نية التشريك في الصوم ؟
المراد بالتشريك بالنية بين صوم مقصود لذاته وصوم غير مقصود لذاته
السؤال: 309385
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
ضابط التشريك بين العبادات بالنية: أن تكون إحداهما غير مقصودة بذاتها، فتدخل مع غيرها بالنية.
وهذا يشمل الصيام وغيره.
ففي الصيام: الصوم المقصود لذاته كصوم رمضان، وصوم قضائه، وصوم النذر، وصوم الأيام المخصوصة، كيوم عرفة، ويوم عاشوراء، وصوم يوم الإثنين – مع وجود خلاف في بعض هذه الأيام ، هل هي مقصودة لذاتها أم لا ؟- .
وأما غير المقصود لذاته: فهو الذي يكون المراد فيه إيقاع الصوم المستحب، دون نظر لخصوصية اليوم، كصوم ثلاثة أيام من كل شهر.
فيجوز التشريك بالنية بين صوم عرفة أو صوم يوم الاثنين، مع صوم يوم من هذه الثلاثة.
جاء في "الموسوعة الفقهية "(12/ 24): " إن أشرك عبادتين في النية، فإن كان مبناهما على التداخل، كغسلي الجمعة والجنابة، أو الجنابة والحيض، أو غسل الجمعة والعيد، أو كانت إحداهما غير مقصودة، كتحية المسجد مع فرض أو سنة أخرى، فلا يقدح ذلك في العبادة؛ لأن مبنى الطهارة على التداخل، والتحية وأمثالها غير مقصودة بذاتها، بل المقصود شغل المكان بالصلاة، فيندرج في غيره.
أما التشريك بين عبادتين مقصودتين بذاتها، كالظهر وراتبته، فلا يصح تشريكهما في نية واحدة؛ لأنهما عبادتان مستقلتان لا تندرج إحداهما في الأخرى" انتهى.
وقال الدكتور عمر سليمان الأشقر رحمه الله: " والذي يقول بحصول العبادتين بالفعل الواحد في مثل هذه الصور: فلأن مراد الشارع يتحقق بحصول الفعل، فتحية المسجد تحصل بأداء الفريضة، نوى التحيّة أو لم ينوها، لأن المراد شغل البقعة بالعبادة" انتهى من "مقاصد المكلفين" ص255 .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز أن ننوي أكثر من عبادة في عبادة واحدة، مثل إذا دخل المسجد عند أذان الظهر، صلى ركعتين فنوى بها تحية المسجد، وسنة الوضوء، والسنة الراتبة للظهر، فهل يصح ذلك؟".
فأجاب فضيلته بقوله:
"هذه القاعدة مهمة وهي: "هل تتداخل العبادات؟ " فنقول: إذا كانت العبادة تبعاً لعبادة أخرى فإنه لا تداخل بينهما، هذه قاعدة.
مثال ذلك: صلاة الفجر ركعتان، وسنتها ركعتان، وهذه السنة مستقلة، لكنها تابعة، يعني هي راتبة للفجر مكملة لها، فلا تقوم السنة مقام صلاة الفجر، ولا صلاة الفجر مقام السنة؛ لأن الراتبة تبعاً للفريضة، فإذا كانت العبادة تبعاً لغيرها، فإنها لا تقوم مقامها، لا التابع ولا الأصل.
مثال آخر: الجمعة لها راتبة بعدها، فهل يقتصر الإنسان على صلاة الجمعة ليستغني بها عن الراتبة التي بعدها؟
الجواب: لا، لماذا؟ لأن سنة الجمعة تابعة لها.
ثانياً: إذا كانت العبادتان مستقلتين، كل عبادة مستقلة عن الأخرى، وهي مقصودة لذاتها، فإن العبادتين لا تتداخلان.
مثال ذلك: لو قال قائل: أنا سأصلي ركعتين قبل الظهر أنوي بهما الأربع ركعات؛ لأن راتبة الظهر التي قبلها أربع ركعات بتسليمتين، فلو قال: سأصلي ركعتين وأنوي بهما الأربع ركعات فهذا لا يجوز؛ لأن العبادتين هنا مستقلتان كل واحدة منفصلة عن الأخرى، وكل واحدة مقصودة لذاتها، فلا تغني إحداهما عن الأخرى.
مثال آخر: بعد العشاء سنة راتبة، وبعد السنة وتر، والوتر يجوز أن نصلي الثلاث بتسليمتين، فيصلي ركعتين ثم يصلي الوتر، فلو قال: أنا أريد أن أجعل راتبة العشاء عن الشفع والوتر وعن راتبة العشاء؟ فهذا لا يجوز؛ لأن كل عبادة مستقلة عن الأخرى، ومقصودة بذاتها فلا يصح.
ثالثاً: إذا كانت إحدى العبادتين غير مقصودة لذاتها، وإنما المقصود فعل هذا النوع من العبادة فهنا يكتفى بإحداهما عن الأخرى، لكن يكتفي بالأصل عن الفرع.
مثال ذلك: رجل دخل المسجد قبل أن يصلي الفجر وبعد الأذان، فهنا مطالب بأمرين: تحية المسجد، لأن تحية المسجد غير مقصودة بذاتها، فالمقصود أن لا تجلس حتى تصلي ركعتين، فإذا صليت راتبة الفجر، صدق عليك أن لم تجلس حتى صليت ركعتين، وحصل المقصود، فإن نويت الفرع، يعني نويت التحية دون الراتبة، لم تجزئ عن الراتبة؛ لأن الراتبة مقصودة لذاتها، والتحية ليست مقصودة ركعتين.
أما سؤال السائل: وهو إذا دخل المسجد عند أذان الظهر صلى ركعتين فنوى بهما تحية المسجد، وسنة الوضوء، والسنة الراتبة للظهر؟
إذا نوى بها تحية المسجد والراتبة، فهذا يجزئ.
وأما سنة الوضوء ننظر هل قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه ) ؛ فهل مراده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يوجد ركعتان بعد الوضوء، أو أنه يريد إذا توضأت فصل ركعتين؟
ننظر إذا كان المقصود إذا توضأت فصل ركعتين، صارت الركعتان مقصودتين، وإذا كان المقصود أن من صلى ركعتين بعد الوضوء على أي صفة كانت الركعتان، فحينئذ تجزئ هاتان الركعتان عن سنة الوضوء، وتحية المسجد، وراتبة الظهر.
والذي يظهر، لي والعلم عند الله، أن قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ثم صلى ركعتين ): لا يقصد بهما ركعتين لذاتيهما، إنما المقصود أن يصلي ركعتين، ولو فريضة.
وبناء على ذلك نقول: في المثال الذي ذكره السائل: إن هاتين الركعتين تجزئان عن تحية المسجد، والراتبة، وسنة الوضوء.
مثال آخر: رجل اغتسل يوم الجمعة من الجنابة فهل يجزئه عن غسل الجمعة؟
إذا نوى بغسله الجنابة غسل الجمعة يحصل له لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) ؛ لكن إذا نوى غسل الجنابة فهل يجزئ عن غسل الجمعة؟
ننظر هل غسل الجمعة مقصود لذاته، أو المقصود أن يتطهر الإنسان لهذا اليوم؟
المقصود الطهارة، لقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا )؛ إذن المقصود من هذا الغسل أن يكون الإنسان نظيفاً يوم الجمعة، وهذا يحصل بغسل الجنابة، وبناء على ذلك لو اغتسل الإنسان من الجنابة يوم الجمعة أجزأه عن غسل الجمعة، وإن كان لم ينو، فإن نوى فالأمر واضح" . انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (14/299-302).
فظهر بذلك أن ضبط هذه القاعدة هو من موارد الاجتهاد، بحسب ما يترجح عند العالم من موارد النصوص، وأصول الشريعة، وما تقرر من أصالة الفعل العبادي، أو تبعيته لغيره؛ ولهذا يضبطه الأحناف بأن التداخل إنما يصح في "وسائل العبادات"، أي شروط العبادات، كالطهارة مثلا، فيصح عندهم التداخل في نيات "الوسائل"، كما لو نوى رفع الجنابة، والجمعة: بغسل واحد.
وأما "المقاصد"، وهي نفس العبادات المطلوبة، فلا يصح التداخل فيها، كما لو نوى فرض الوقت، وقضاء فائتة، بأربع ركعات: لم يصح.
وقال ابن رجب الحنبلي، رحمه الله:
" إذا اجتمعت عبادتان من جنس في وقت واحد، ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء، ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت؛ تداخلت أفعالهما، واكتفي فيهما بفعل واحد.
وهو على ضربين:
(أحدهما): أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتان جميعًا؛ فيشترط أن ينويهما معًا على المشهور.
ومن أمثلة ذلك: من عليه حدثان أصغر وأكبر؛ فالمذهب أنه يكفيه أفعال الطهارة الكبرى إذا نوى الطهارتين جميعًا …"
واستفاض في ذكر فروع ذلك، وتخريجها على المذهب، ثم قال:
"(والضرب الثاني): أن يحصل له إحدى العبادتين بنيتها، وتسقط عنه الأخرى، ولذلك أمثلة:
(منها): إذا دخل المسجد وقد أقيمت الصلاة فصلى معهم؛ سقطت عنه التحية…
(ومنها): إذا قدم المعتمر مكة؛ فإنه يبدأ بطواف العمرة، ويسقط عنه طواف القدوم…" .
انظر: "قواعد ابن رجب" (1/142) وما بعدها .
ولفقهاء المذاهب تفاصيل في ضبط ما يصح فيه التداخل ، وما لا يصح .
وينظر للفائدة: "التداخل وأثره في الأحكام الشرعية"، د. محمد خالد منصور – وهو متاح على الشبكة ، ص (63) وما بعدها .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب