هل هناك نية ترتبط بسنن الفطرة فأفعلها إخلاصا لله تعالى، أم يجوز لي أن أفعلها من أجل أن يمدحني الناس ولا يذمونني؟ السواك مثلا، أو استعمال الفرشاة والمعجون، فهل يجوز أن أفعله من أجل أن يمدحني الناس، ولا يذموني دون قصد الإخلاص لله تعالى، وكذا بالنسبة لبقية سنن الفطرة؟
ما حكم فعل سنن الفطرة كالسواك بلا نية أو من أجل مدح الناس وعدم ذمهم؟
السؤال: 309556
ملخص الجواب
سنن الفطرة عبادات مستحبة، فإذا روعي فيها العبادة، فيجب أن تخلص فيها النية لله. وإذا فُعلت على وجه العادة، والنظافة، وألا يجد الناس من الإنسان رائحة كريهة، أو أن يمدحوه ولا يذموه، فلا حرج، لكن لا ثواب فيها إلا بنية. ولا حرج في فعل أمور العادات، مع ملاحظة نظر الخلق.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
سنن الفطرة قد تفعل على وجه التعبد، فيجب إخلاص النية فيها لله تعالى، وقد تفعل على جهة النظافة، فلا يثاب عليها المرء إلا بالنية؛ لأنها عبادات معقولة المعنى، كالغسل، يفعل تعبدا، ويفعل نظافة وتبردا، والطيب يستعمل تعبدا، وعادة.
قال تعالى في شأن العبادات: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ الزمر/11، وقال: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ البينة/5.
قال في "المبدع" (1/ 78): "(السواك مسنون في جميع الأوقات): اتفق العلماء على أنه سنة مؤكدة، لحث الشارع، ومواظبته عليه، وترغيبه فيه، وندبه إليه، يوضحه ما روت عائشة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: السواك مطهرة للفم مرضاة للرب. رواه الشافعي، وأحمد، وابن خزيمة، والبخاري تعليقا، ورواه أحمد أيضا، عن أبي بكر وابن عمر" انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (1/ 75): "(ويسن حف الشارب أو قص طرفه،…(و) يسن (تقليم الأظفار)… و) يسن (نتف الإبط) … (و) يسن (حلق العانة) وهو الاستحداد" انتهى.
فسنن الفطرة عبادات مستحبة، فإذا روعي فيها العبادة، فيجب أن تخلص فيها النية لله.
وإذا فُعلت على وجه العادة، والنظافة، وألا يجد الناس من الإنسان رائحة كريهة، أو أن يمدحوه ولا يذموه، فلا حرج، لكن لا ثواب فيها إلا بنية.
ولا حرج في فعل أمور العادات، مع ملاحظة نظر الخلق.
قال البخاري في صحيحه: " بَابُ التَّجَمُّلِ لِلْوُفُودِ" وساق فيه الحديث رقم (3054) عن ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "وَجَدَ عُمَرُ حُلَّةَ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ، فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ الحُلَّةَ، فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوُفُودِ. الحديث.
ورواه مسلم (2068) لفظ: " لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا لِلنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ".
قال القرطبي في "المفهم" (17/83): " وقوله : (لو اشتريت هذه فلبستها للوفد) ، وإقراره له صلى الله عليه وسلم على هذا القول؛ يدلّ على مشروعية التجمل للوفود، ومجامع المسلمين التي يقصد بها إظهار جمال الإسلام، والإغلاظ على العدو" انتهى.
واعلم أن من أتى بسنن الفطرة مع عدم النية، برئت ذمته، ولو لم يحصل الثواب.
قال القرطبي رحمه الله: "وقوله: (ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها)؛ هذا يفيد بمنطوقه: أن الأجر في النفقات لا يحصل إلا بقصد القربة إلى الله عز وجل، وإن كانت واجبة. وبمفهومه: أن من لم يقصد القربة لم يؤجر على شيء منها. والمعنيان صحيحان.
يبقى أن يقال: فهل إذا أنفق نفقةً واجبةً على الزوجة، أو الولد الفقير، ولم يقصد التقرب؛ هل تبرأ ذمته ، أم لا ؟
فالجواب : أنها تبرأ ذمته من المطالبة؛ لأن وجوب النفقة من العبادات المعقولة المعنى، فتجزئُ بغير نيَّة، كالدِّيون، وأداء الأمانات، وغيرها من العبادات المصلحية.
لكن إذا لم ينو، لم يحصل له أجر. وقد قرَّرنا هذا في أصول الفقه.
ويفهم منه بحكم عمومه: أن من أنفق نفقة مباحة، وصحَّت له فيها نيَّةُ التَّقرب؛ أثيب عليها، كمن يطعم ولده لذيذ الأطعمة ولطيفها ليردَّ شهوته، ويمنعه من التشوُّف لما يراه بيد الغير من ذلك النوع، وليرق طبعه، فيحسن فهمه، ويقوى حفظه، إلى غير ذلك مما يقصده الفضلاء" انتهى من "المفهم شرح مسلم" (15/7).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب