شخص من العائلة تكلف من نفسه بمتابعة استخراج ملكيات أراضي لأيتام من الإسكان، وكان أحد اليتامى يقول له : سنعطيك أرضا لك، فلما أحضر ملكيات الأراضي استغل حياء اليتامى منه، وأخذ أكبر قطعة أرض، وأكثرها قيمة، وكان يعرف قيمة كل أرض ومساحتها، ولكن اليتامى لا يعرفون، وقال: سآخذ هذه، والأراضي التي بقيت لكم يحتمل أن قيمتهن أكثر، وهو يعلم أن الأرض التي أخذها أكبر في المساحة وأعلى في السعر، فهل الأرض التي أخذها حلال أم حرام ؟
سعى لاستخراج ملكيات أراض ليتامى من الدولة وقال أحدهم سنعطيك قطعة منها فأخذ أكبرها وأعلاها قيمة
السؤال: 309955
ملخص الجواب
ليس لهذا الشخص أن يأخذ الأرض المذكورة في جميع الأحوال؛ لأنه لو كان الأيتام بالغين لم تحل هذه العطية إلا برضاهم جميعا، فكيف إذا كانوا غير بالغين أو كان بعضهم غير بالغ. وينبغي توسيط من ينصح هذا الشخص ليرد الأرض، ويعطى قدر أجرته إن كان فقيرا، فإن لم يستجب رفع أمره للمحكمة الشرعية.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
إذا كانت الأراضي قد صرفتها الدولة لليتامى ، بما فيها قطعة الأرض التي أخذها هذا الشخص، فإنها لا تحل له، وأخذها من أكل أموال اليتامى الذي توعد الله فاعله بالعذاب الشديد فقال: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا النساء/10.
وإذا كان اليتامى لم يبلغوا الحلم-وهذا هو الأصل فيمن سمي يتيما- فإن وعدهم وهبتهم له لا تعتبر.
وقال في “بدائع الصنائع” (6/118) : ” وأما ما يرجع إلى الواهب : فهو أن يكون ممن يملك التبرع ، ولأن الهبة تبرع فلا يملكها من لا يملك التبرع .
فلا تجوز هبة الصبي والمجنون ، لأنهما لا يملكان التبرع ، لكونه ضررا محضا لا يقابله نفع دنيوي ، فلا يملكها الصبي والمجنون ، وكذا الأب لا يملك هبة مال الصغير من غير شرط العوض بلا خلاف ؛ لأن التبرع بمال الصغير قربان لماله لا على وجه الأحسن ، ولأنه لا يقابله نفع دنيوي ، وقد قال الله عز شأنه ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن . ولأنه إذا لم يقابله عوض دنيوي كان التبرع ضررا محضا وترك المرحمة في حق الصغير ، فلا يدخل تحت ولاية الولي ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وقوله عليه الصلاة والسلام من لا يرحم صغيرنا فليس منا ” انتهى بتصرف .
ومن كان منهم بالغا صحت الهبة منه في حق نفسه فقط، بالشيء الذي يبذله عن رضى واختيار.
وما أخذ منه حياء فإنه لا يحل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه رواه أحمد (20172)، وصححه الألباني في “إرواء الغليل” (1459).
قال في “تحفة المحتاج” (6/ 317): ” وحيث دلت قرينة أن ما يعطاه إنما هو للحياء : حرم الأخذ ولم يملكه. قال الغزالي : إجماعا” انتهى.
ثانيا:
القائم على أمر الأيتام : إن كان فقيرا ، فله أن يأكل بالمعروف ، وهو الأقل من: أجرة مثله أو قدر حاجته، فلو كان عمله واجتهاده يستحق أجرة قدرها 100 مثلا، وكان محتاجا، وحاجته تقدر ب 90، فإنه يأخذ 90 .
قال في الزاد: “ويأكل الولي الفقير من مال موليه الأقلَّ من كفايته أو أجرته مجانا”.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” ويأكل الولي الفقير : وهو الذي ليس عنده ما يكفيه من كسب يده أو غلة أو راتب أو مكافأة، ليس عنده إلا مال هذا اليتيم.
قوله: من مال مَوْلِيِّه : الأقل ؛ من كفايته ، أو أجرته ، مجانا : فإذا قدرنا أن كفايته ألف ريال وأجرته خمسمائة ريال، فنعطيه خمسمائة؛ لأنها الأقل، فإذا قال: هذه ما تكفيني، أنا إلى الآن فقير، نقول: ليس لك إلا الأجرة فقط.
وبالعكس، أجرته ألف ريال وكفايته خمسمائة، فنعطيه خمسمائة، وهذه لا إشكال فيها، الإشكال في المسألة الأولى، إذا كانت الأجرة أقل من الكفاية ، فإنه سوف يبقى فقيرا، وظاهر الآية الكريمة: ( ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ) [النساء: 6] : أنه يأكل بالمعروف، وأنه إذا كانت الأجرة أقل تكمل له الكفاية .
وعلى هذا فنقول: يأكل كفايته ، سواء كانت بقدر الأجرة أو أقل أو أكثر؛ لأن هذا هو ظاهر القرآن: ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف ” انتهى من “الشرح الممتع” (9/ 312).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ” شخص وصي على مجموعة من الأيتام القصر منذ مدة حوالي عشر سنوات، وقد ترك لهم والدهم مبلغا قليلا، ونماه هذا الوصي حتى أصبح مئات الآلاف بالبيع والشراء ، هل يجوز لهذا الوصي أن يشتري لنفسه من مال هؤلاء القصار كبقية الناس، دون محاباة لنفسه؟ علما بأنه يبيع للآخرين بالأقساط كالسيارات ومواد البناء وغيرها من أموال هؤلاء القصار، والوصي في حاجة لشراء سيارة أو بناء منزل. مع ملاحظة أن الوصي لا يتقاضى أي مقابل على تنمية مال العقار وما يقوم به من جهد لهم, وإنما يقوم بذلك ابتغاء الأجر من الله.
ج: يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم في حق أولياء اليتامى: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ النساء/6 .
وقد أوجب الله الإحسان إلى اليتامى والإصلاح لهم بقوله سبحانه: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ النساء/36 . وقال سبحانه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ النساء/220.
فإذا أراد الولي أن يأخذ أجرة على أعماله، أو جزءا من الربح في تجارته في أموالهم: فعليه مراجعة الحاكم الشرعي حتى يحدد له ما يقتضيه الشرع المطهر في ذلك، والله ولي التوفيق ” انتهى من “فتاوى الشيخ ابن باز” (20/102).
والحاصل:
أنه ليس لهذا الشخص أن يأخذ الأرض المذكورة في جميع الأحوال؛ لأنه لو كان الأيتام بالغين لم تحل هذه العطية إلا برضاهم جميعا، فكيف إذا كانوا غير بالغين أو كان بعضهم غير بالغ.
وينبغي توسيط من ينصح هذا الشخص ليرد الأرض، ويعطى قدر أجرته إن كان فقيرا، فإن لم يستجب رفع أمره للمحكمة الشرعية.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب