كيف يكون شرط الاستجمار أن يكون وترًا ثلاث أو فوق ثلاث مع إنه في "صحيح البخاري" أن النبي استجمر بحجرين ؟
هل يشترط في الاستجمار ألا يكون بأقل من ثلاثة أحجار ؟
السؤال: 312826
ملخص الجواب
الراجح أنه يشترط في الاستجمار الإنقاء وأن لا يكون بأقل ثلاثة أحجار
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
العدد المشترط في الاستجمار بالأحجار
اختلف أهل العلم في الاستجمار بالأحجار ، هل يشترط فيه ألا يكون بأقل من ثلاثة أحجار ، أم إنه متى حصل الإنقاء كفى ذلك ، ولو بحجرين ؟
فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يشترط في الاستجمار أمران : الإنقاء ، وإكمال الثلاثة ، أيهما وُجِد دون صاحبه لم يكف .
وعندهم: أن الحجر الكبير الذي له ثلاث شعب ، يقوم مقام ثلاثة أحجار .
قال ابن قدامة في "المغني" (1/102) : " يُشْتَرَطُ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا : الْإِنْقَاءُ ، وَإِكْمَالُ الثَّلَاثَةِ، أَيُّهُمَا وُجِدَ دُونَ صَاحِبِهِ لَمْ يَكْفِ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَة" انتهى .
وينظر : "الأم" للشافعي (1/37)، و"كشاف القناع" للبهوتي (1/69).
واستدلوا بعدة أدلة ، منها :
1- ما رواه مسلم (262) عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : " نَهَانَا نَبِيُّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ " .
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: إذا ذهب أحدُكم إلى الغائطِ، فلْيذهبْ معه بثلاثةِ أحجارٍ يَستطيبُ بهنَّ؛ فإنَّها تُجزئُ عنه أخرجه أبو داود (40)، والنسائي (44) ، وصححه الألباني.
3- ما رواه مسلم (239) عن جابر بن عبد الله قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِذَا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوتِرْ .
وذهب الحنفية والمالكية إلى أن الواجب في الاستجمار الإنقاء دون العدد .
ومعنى الإنقاء هو : إزالة عين النجاسة وبِلَّتِها ، بحيث يخرج الحجر بعد المسحة الأخيرة نقيا يابسا .
وأما التثليث فمستحب عندهم .
وينظر : "التجريد" للقدوري (1/160)، و"بداية المجتهد" لابن رشد (1/93).
واستدلوا بما في "صحيح البخاري" (156) عن عَبْدَ اللَّهِ أنه كان يَقُولُ : " أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ ، وَالتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا ، فَأَخَذَ الحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ " وَقَالَ : هَذَا رِكْسٌ .
قالوا : وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى في الاستجمار بحجرين ، ولم يستجمر بثلاثة أحجار ، فدل ذلك على أنه لا يشترط الاستنجاء بثلاثة أحجار ، بل يكفي الإنقاء ، ولو بأقل من ثلاثة إذا حصل الإنقاء .
وأجيب عن هذا الاستدلال ، بأنه ورد في هذا الحديث ، في غير صحيح البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ابن مسعود رضي الله عنه أن يأتيه بحجر ثالث بدلا من الروثة .
ففي "مسند أحمد" (7/ 326) عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ، فَأَمَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يَأْتِيَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، فَجَاءَهُ بِحَجَرَيْنِ وَبِرَوْثَةٍ ، فَأَلْقَى الرَّوْثَةَ ، وَقَالَ : إِنَّهَا رِكْسٌ ، ائْتِنِي بِحَجَرٍ .
وفي "المعجم الكبير" للطبراني (10/ 61) ، قال : هَذِهِ رِكْسٌ ، ائْتِنِي بِحَجَرٍ .
ولكن في إسناد هذه الزيادة نظر ، إذ هي من رواية أبي إسحاق السبيعي عن علقمة بن قيس النخعي ، وفي سماع أبي إسحاق من علقمة خلاف بين العلماء .
وقد أثبت الحافظ ابن حجر هذه الزيادة، وانتصر للقول باشتراط ثلاثة أحجار في الاستجمار .
فقال رحمه الله : " استدل به الطحاوي على عدم اشتراط الثلاثة ؛ قال : لأنه لو كان مشترطا لطلب ثالثا .
كذا قال ، وغفل رحمه الله عما أخرجه أحمد في مسنده من طريق معمر عن أبي إسحاق عن علقمة عن بن مسعود في هذا الحديث فإن فيه : " فألقى الروثة وقال : ( إنها ركس ، ائتني بحجر ) ، ورجاله ثقات أثبات ، وقد تابع عليه معمر أبو شعبة الواسطي وهو ضعيف ، أخرجه الدارقطني . وتابعهما عمار بن رزيق ؛ أحد الثقات عن أبي إسحاق .
وقد قيل : إن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة ، لكن أثبت سماعه لهذا الحديث منه الكرابيسي ، وعلى تقدير أن يكون أرسله عنه ، فالمرسل حجة عند المخالفين ، وعندنا أيضا إذا اعتضد ، واستدلال الطحاوي فيه نظر بعد ذلك ؛ لاحتمال أن يكون اكتفى بالأمر الأول في طلب الثلاثة، فلم يجدد الأمر بطلب الثالث، أو اكتفى بطرف أحدهما عن الثالث ؛ لأن المقصود بالثلاثة أن يمسح بها ثلاث مسحات ، وذلك حاصل ولو بواحد . والدليل على صحته أنه لو مسح بطرف واحد ورماه ، ثم جاء شخص آخر فمسح بطرفه الآخر : لأجزأهما ، بلا خلاف…" انتهى من "فتح الباري" (1/ 257).
فهذا هو الجواب عما استدل به القائلون بعدم اشتراط ثلاثة أحجار .
وبناء عليه ؛ فإن الراجح هو القول الأول ، وهو أنه يشترط في الاستجمار الإنقاء وإكمال الثلاثة ، وأن الحجر الكبير الذي له ثلاث شعب يقوم مقام ثلاثة أحجار؛ وذلك لقوة استدلالهم كما في حديث سلمان الفارسي وعائشة رضي الله عنهما ، وأحاديث الأمر بالإيتار في الاستجمار.
وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ، فقال : " وقد تنازع العلماء فيما إذا استجمر بأقل من ثلاثة أحجار، أو استجمر بمنهي عنه، كالروث والرمة، وباليمين : هل يجزئه ذلك ؟ والصحيح أنه إذا استجمر بأقل من ثلاثة أحجار، فعليه تكميل المأمور به .
وأما إذا استجمر بالعظم واليمين: فإنه يجزئه؛ فإنه قد حصل المقصود [وهو إزالة النجاسة] بذلك، وإن كان عاصيا، والإعادة لا فائدة فيها " انتهى من "مجموع الفتاوى" (21/ 211).
واختاره أيضا : الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، فقال : " لابد في الاستجمار من ثلاثة أحجار ، وجه ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من عبد الله بن مسعود أن يأتيه بثلاثة أحجار ، ثم قال حين رد الروثة : " ائتني بغيرها " ؛ فدل هذا على أنه لابد من ثلاثة أحجار " انتهى من "فتح ذي الجلال والإكرام" (1/ 308).
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب