اتفق أبي على شراء قطعة أرض قدرها 20 فدانا، مملوكة لشخص بالوكالة عن مزاد حكومي، يسدد له جزءا وباقي الأقساط للبنك، وتراجع البائع عن بيع 5 أفدنة قبل كتابة العقد، فهل يحق له هذا التراجع ؟ وما الحكم إذا انتفع أبي بهذه الأرض عشرين عاما دون كتابة عقد ال5 أفدنة، ولا عقد ال15 فدانا الأخرى؟
صور الانتفاع بأرض مملوكة للدولة وحكم هذه الصور
السؤال: 314342
ملخص الجواب
العبرة في العقد بالإيجاب والقبول، وأما الكتابة فمجرد توثيق. فإذا لم يوجد خيار، فلا يحق لهذا البائع أو وكيله أن يرجع في بيع خمسة أفدنة، ولأبيك التمسك بالصفقة كما هي. ولا حرج عليه في الانتفاع بالأرض كلها ، في المدة السابقة . وإذا منع من التصرف أو الانتفاع في الخمسة أفدنة، بعد تمام شرائه لها : فلا حرج عليه في الانتفاع بالباقي، وإنما الحرج على من منعه الانتفاع بحقه، بعد تمام البيع.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا: صور الانتفاع بأرض مملوكة للدولة
إذا كانت هذه الأرض ملكا للدولة، وانتفع بها والدك مدة 20 سنة، فهذا له صور؛ منها:
1-أن تكون الدولة أذنت له في الانتفاع، ويسمى الإقطاع، فلا حرج عليه في الانتفاع، سواء كانت الأرض مواتا أو غير موات، لكن لا يملكها بالإقطاع، وللدولة أن تسترجعها منه.
قال في "كشاف القناع" (4/ 195): " (وللإمام إقطاع موات لمن يحييه)؛ لأنه – صلى الله عليه وسلم – أقطع بلال بن الحارث العقيق ، وأقطع وائل بن حجر أرضا .
وأقطع أبو بكر وعمر وعثمان وجمع من الصحابة.
(ولا يملكه) أي الموات (بالإقطاع)؛ لأنه لو ملكه ، ما جاز استرجاعه ؛ (بل يصير) المقطَع (كالمتحجر الشارع في الإحياء)؛ لأنه ترجح بالإقطاع على غيره …
(وله) أي للإمام (إقطاع غير موات تمليكا وانتفاعا للمصلحة) … (ابتداء ، ودواما ؛ فلو كان ابتداؤه) أي الإقطاع (لمصلحة ، ثم في أثناء الحال فُقدت) المصلحة : (فللإمام استرجاعها) أي الأرض التي أقطعها؛ لأن الحكم يدور مع علته" انتهى.
2-أن تكون الأرض أرضا مواتا خالية من ملك معصوم، أو مختص، وهو ما قرب من عامر القرية، وتعلقت به مصالحه، كطرقه، وفنائه وهو المتسع أمامه، ومرعى الدواب، ومكان المحتطب، ومصلى العيد ونحو ذلك، فأحيا هذه الأرض إحياء معتبرا، بحفر بئر فيها، أو إحاطتها بسور، فإنه تكون ملكا له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ رواه البخاري معلقا بصيغة التمريض في باب من أحيا أرضا مواتا ، ورواه أبو داود (3073)، والترمذي (1378)، وحسنه الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (897) وذكر له طرقا أخرى في "الفتح" (5/19) ثم قال: " وفي أسانيدها مقال لكن يتقوى بعضها ببعض " ، وينظر : "إرواء الغليل" (5/553).
قال في "زاد المستقنع" : " ومن أحاط مواتا، أو حفر بئرا فوصل إلى الماء، أو أجراه إليه من عين ونحوها، أو حبسه عنه ليزرع : فقد أحياه " انتهى . وينظر : "الشرح الممتع" (10/329).
3- أن يكون انتفع بأرض ليست مواتا، أو كانت مواتا ولم يحيها الإحياء المعتبر، ولم تعطه له الدولة، فهذا عدوان يلزمه فيه التوبة.
ثانيا: متى يلزم البيع في الصورة السابقة ؟
من الواضح أن الشخص الذي باع لوالدك قد تملك الأرض ـ تملكا صحيحا ، من جهة حكومية مأذونة، ولهذا يسدد أقساطها في جهة رسمية – البنك – .
فإذا تم البيع بينه وبين أبيك بعد ذلك : فقد لزم، وليس لأحد الطرفين الرجوع فيه ، أو في بعضه إلا برضى الطرف الآخر، سواء كتب العقد أم لا، إلا أن يوجد ما يوجب الخيار من عيب أو غبن أو شرط.
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/ 167) : "(وإذا تفرقا من غير فسخ : لم يكن لأحدهما رده ، إلا بعيب أو خيار) .
لا خلاف في أن البيع يلزم بعد التفرق، ما لم يكن سبب يقتضي جوازه، وقد دل عليه قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك أحدهما البيع : فقد وجب البيع.
وقوله: البيعان بالخيار حتى يتفرقا . جعل التفرق غاية للخيار، وما بعد الغاية: يجب أن يكون مخالفا لما قبلها، إلا أن يجد بالسلعة عيبا، فيردها به، أو يكون قد شرط الخيار لنفسه مدة معلومة، فيملك الرد أيضا.
ولا خلاف بين أهل العلم في ثبوت الرد بهذين الأمرين.
وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – المؤمنون على شروطهم . استشهد به البخاري" انتهى.
وعليه :
والعبرة في العقد بالإيجاب والقبول، وأما الكتابة فمجرد توثيق.
فإذا لم يوجد خيار، فلا يحق لهذا البائع أو وكيله أن يرجع في بيع خمسة أفدنة، ولأبيك التمسك بالصفقة كما هي.
ولا حرج عليه في الانتفاع بالأرض كلها ، في المدة السابقة .
وإذا منع من التصرف أو الانتفاع في الخمسة أفدنة، بعد تمام شرائه لها : فلا حرج عليه في الانتفاع بالباقي، وإنما الحرج على من منعه الانتفاع بحقه، بعد تمام البيع.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب