0 / 0

أوصى ألا يدفن في مقبرته شخص معين فهل تنفذ وصيته ؟

السؤال: 315211

اشترى جد صديقي قطعة أرض؛ لجعلها مدفن لأسرته فقط، وقد أوصى قبل وفاته ألا يدفن فيها أحد من خارج الأسرة، ونتيجة لخلاف بينه وبين أخته أكد وصيته بألا تدفن هذه السيدة بالذات في هذا المدفن، والآن وقد شارفت على الموت، وطلبت بأن تدفن في هذا المدفن، فهل ننفذ هذه الوصية لجدي ؟ أم هذه وصية بظلم لا يجوز إنفاذها، مع العلم إن هذه السيده لها مدافن أخرى من الممكن أن تدفن فيها، ولكن رغبتها أن تدفن مع أخيها؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

إذا جعل الرجل مقبرة يدفن فيها هو وأسرته فقد صارت بذلك وقفا .

ويثبت الوقف بالقول أو بالفعل الدال عليه ، فمثال القول أن يقول : هذه المقبرة وقف ، أو أذنت لمن مات من أسرتي أن يدفن فيها ونحو ذلك .

ومثال القول : أن يموت أحد من أسرته ويأذن بدفنه فيها .

قال ابن قدامة رحمه الله في “الكافي” (2/250) :

“ويصح الوقف بالقول والفعل الدال عليه ، مثل أن يبني مسجدا ويأذن للناس في الصلاة فيه ، أو مقبرة ويأذن لهم في الدفن فيها ، أو سقاية ويشرع بابها ويأذن في دخولها ، لأن العرف جار به ، وفيه دلالة على الوقف ، فجاز أن يثبت به، كالقول ، وجرى مجرى من قدم طعاما لضيفانه …

وأما القول : فألفاظه ستة :

ثلاثة صريحة ، وهي : وقفت وحبست وسبَّلت ، متى أتى بواحدة منها صار وقفا ، لأنه ثبت لها عرف الاستعمال ، وعرف الشرع بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه : (إن شئت حبست أصلها ، وسبلت ثمرتها) .

وثلاثة كناية وهي : تصدقت وحرَّمت وأبَّدت ، فليست صريحة ، لأنها مشتركة بين الوقف وغيره من الصدقات والتحريمات .

فإن نوى بها الوقف ، أو قرن بها لفظا من الألفاظ الخمسة ، أو حكم الوقف بأن يقول : صدقة محبسة ، أو محرمة ، أو مؤبدة ، أو صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث : صار وقفا ، لأنه لا يحتمل مع هذه القرائن إلا الوقف” انتهى .

فإذا ثبت كونها وقفا ، بجعله مقبرة ، وإذنه بالدفن فيها ؛ فقد خرجت بذلك عن ملكه ، وملك ورثته .

ويرجع فيمن يدفنون في هذه الأرض إلى ما قاله الواقف حين وقفه الأرض ، ولا يجوز له ولا لورثته ، ولا لغيرهم أن يغير ذلك فيما بعد ، لأن الوقف عقد لازم، ويرجع في شروط المستحق له إلى ما اشترطه وقاله الواقف .

قال المرداوي رحمه الله في “الإنصاف” (11/69) :

“( وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ . لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِإِقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ) . هَذَا الْمَذْهَبُ . وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ” انتهى .

وقال البهوتي في “كشاف القناع” :

“( وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ ) قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ : أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَصِيَّةِ ، أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ ( ؛ لَا يَجُوزُ فَسْخُهُ بِإِقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ ، فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ ( مَثَلًا .

وَيَلْزَمُ ) الْوَقْفُ ( بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ ، بِدُونِ حُكْمِ حَاكِمٍ ) ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا تُوهَبُ وَلَا تُورَثُ . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيث عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ . وَكَالْعِتْقِ” انتهى .

وقال المرداوي في “الإنصاف” (11/17) :

قَوْلُهُ: “وَيُرْجَعُ إلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي قَسْمِهِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ … وَإِخْرَاجِ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ ، وَإِدْخَالِهِ بِصِفَةٍ . وَفِي النَّاظِرِ فِيهِ ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ، وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ” انتهى .

وجاء في “الموسوعة الفقهية” (6/307) :

“لَوْ قَيَّدَ الْوَاقِفُ الاِنْتِفَاعَ بِالْوَقْفِ بِشُرُوطٍ مُحَدَّدَةٍ ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ ، لأِنَّ الشُّرُوطَ الَّتِي يَذْكُرُهَا الْوَاقِفُونَ، هِيَ الَّتِي تُنَظِّمُ طَرِيقَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ ، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةٌ مَا لَمْ تُخَالِفِ الشَّرْعَ” انتهى .

وفيها أيضا (44/131) :

“شُرُوطُ الْوَاقِفِينَ :

– الْوَقْفُ قُرْبَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ ، يَضَعُهَا الْوَاقِفُ فِيمَنْ يَشَاءُ ، وَبِالطَّرِيقَةِ الَّتِي يَخْتَارُهَا ، وَلَهُ أَنْ يَضَعَ مِنَ الشُّرُوطِ ، عِنْدَ إِنْشَاءِ الْوَقْفِ : مَا لاَ يُخَالِفُ حُكْمَ الشَّرْعِ ، وَالشُّرُوطُ الَّتِي يَضَعُهَا الْوَاقِفُ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا ، وَلاَ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهَا ، إِذَا لَمْ تُخَالِفِ الشَّرْعَ ، أَوْ تُنَافِي مُقْتَضَى الْوَقْفِ ؛ إِذْ إِنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَنَصِّ الشَّرْعِ ، كَمَا يَقُول الْفُقَهَاءُ .

فَفِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ : شَرَائِطُ الْوَاقِفِ مُعْتَبَرَةٌ إِذَا لَمْ تُخَالِفِ الشَّرْعَ وَهُوَ مَالِكٌ ، فَلَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ مَالَهُ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ تَكُنْ مَعْصِيَةً ، وَلَهُ أَنْ يَخُصَّ صِنْفًا مِنَ الْفُقَرَاءِ ، وَلَوْ كَانَ الْوَضْعُ فِي كُلِّهِمْ قُرْبَةً. وَفِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ لِلدَّرْدِيرِ : وَاتُّبِعَ وُجُوبًا شَرْطُ الْوَاقِفِ إِنْ جَازَ شَرْعًا ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ لَمْ يُتَّبَعْ .

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الأْصْل أَنَّ شَرَائِطَ الْوَاقِعِ مَرْعِيَّةٌ ؛ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَا يُنَافِي الْوَقْفَ …” انتهى .

وينظر: جواب السؤال رقم : (125101) .

وبناء على هذا ،

فما دام جدك قد أوقف هذه الأرض لتكون مقبرة له ولأسرته ، فلا يجوز دفن أحد من خارج أسرته في هذه المقبرة .

ولا يجوز، أيضا : إخراج أحد من “الأسرة” من حق الانتفاع بهذا الوقف .

والوصية التي أوصاها يجب العمل بها ، وهي في الحقيقة ليست إلا تأكيدا لحكم الوقف السابق ، وليست ابتداء حكم جديد .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android