سؤالي متعلق بالصيام، فكما تعلمون فضيلة الصوم وأجره عند الله تعالى، وأنا والله أحب الصوم، لكن مشكلتي أنه لدي صداع في الرأس، لا أعرف حتى أسبابه، فقد أجريت العديد من الفحوص، لكن دون جدوى، لكن الحمد لله على كل حال، وقد أجريت آخر زيارة عند طبيب متخصص في أمراض الرأس، فأخبرني أن الشفاء من حالتي شبه مستحيلة، بل قال: يجب أن أتعايش مع هذا الصداع، ما يهمني هو أنني عندما أشرع في الصوم وعندما يمضي نصف النهار يبدأ معي الصداع، ويستمر حتى اليوم التالي، رغم أخذي للمسكنات، بل يؤثر هذا الصداع حتى إنني أصلي الصلاة بمشقة بالغة. فهل هناك أعمال تعبدية يمكنني أن أنال بها أجر الصيام؟ مع العلم إنني أقول في نفسي ـ وربي أعلم ـ لو كنت أستطيع الصيام لصمت، وللإشارة فإنني أتحدث عن صيام النافلة؛ لأنني كنت قد شرعت في صيام الست من شوال البارحة، أما الفرض فلله الحمد فقد أتممته رغم المرض، كما أسألكم بالله تعالى أن تدعوا لي بالشفاء.
هل يوجد أعمال ينال بها العاجز عن الصوم أجر الصائم؟
السؤال: 315220
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
نسأل الله أن يشفيك ويعافيك، ونبشرك بأنك ما دمت حريصا على الصوم، ولولا المرض لصمت، فإنه يكتب لك أجر الصائم، كما روى البخاري (4423) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح: " وَفِيهِ: أَنَّ اَلْمَرْءَ يَبْلُغُ بِنِيَّتِهِ أَجْرَ الْعَامِلِ إِذَا مَنَعَهُ اَلْعُذْر عَنْ اَلْعَمَلِ " انتهى.
وروى الترمذي (2325)، وابن ماجه (4228) عن أَبي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ؛ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا ؛ فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ ، يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ … الحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
ثانيا:
هناك أعمال مشروعة ينال فاعلها أجر الصائم.
فمن ذلك:
1-السعي على الأرملة والمسكين:
روى البخاري (5353)، ومسلم في (2982) ، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ، الصَّائِمِ النَّهَارَ .
قال النووي في "شرح مسلم" (18/112) :" الْمُرَادُ بِالسَّاعِي: الْكَاسِبُ لهما، العامل لمؤنتهما، والأرملة من لا زوج لَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا، وَقِيلَ هي التي فارقت زوجها.
قال ابن قُتَيْبَةَ : سُمِّيَتْ أَرْمَلَةً لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنَ الْإِرْمَالِ، وَهُوَ الْفَقْرُ وَذَهَابُ الزَّادِ بِفَقْدِ الزَّوْجِ، يُقَالُ: أَرْمَلَ الرَّجُلُ إِذَا فَنِيَ زَادُهُ " انتهى.
وقال ابن هبيرة في "الإفصاح عن معاني الصحاح" (6/267) :" والمراد: أن الله تعالى يجمع له ثواب الصائم والقائم والمجاهد في دفعة ؛ وذلك أنه قام للأرملة مقام زوجها الذي سلبها إياه القدر، وأرضاها عن ربها، وقام على ذلك المسكين الذي عجز عن قيامه بنفسه؛ فأنفق هذا فضل قوته ، وتصدق بجَلَدِه ؛ فكان نفعه إذًا يكافئ الصوم والقيام والجهاد ". انتهى.
قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (9/218): " من عجز عن الجهاد في سبيل الله وعن قيام الليل وصيام النهار ، فليعمل بهذا الحديث ، وليسع على الأرامل والمساكين ليحشر يوم القيامة في جملة المجاهدين في سبيل الله دون أن يخطو في ذلك خطوة ، أو ينفق درهمًا ، أو يلقى عدوًا يرتاع بلقائه ، أو ليحشر في زمرة الصائمين والقائمين وينال درجتهم وهو طاعم نهاره نائم ليله أيام حياته ، فينبغي لكل مؤمن أن يحرص على هذه التجارة التي لا تبور ، ويسعى على أرملة أو مسكين لوجه الله تعالى فيربح في تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين من غير تعب ولا نصب ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء" انتهى.
2-حسن الخلق.
فقد روى الترمذي (2003) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ والحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي".
3-تفطير الصائم:
فعن زيد بن خالد الجهني قال: قال صلى الله عليه وسلم: مَن فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء رواه الترمذي (807) وابن ماجه ( 1746) وصححه ابن حبان (8/216) والألباني في "صحيح الجامع" (6415).
فهذه الأعمال ينال فاعلها ثواب الصائم، وكذا من عزم على الصوم ومنعه العذر.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب