أنا أحب طلب العلم لأمور كثيرة ؛ منها أني أرجو أن يكون سببا لقربي من الله تعالى، ومنها أنه يخلصني بإذن الله من الوساوس والشبهات، ومنها أني أعلم الناس ما يجهلون، وهذه النقطة الأخيرة حصل لي فيها بعض التشويش؛ فإني سمعت حديثا ضعفه بعض أهل العلم، ولكن صححوا معناه وهو :(من تعلم العلم ليباهي به العلماء ويماري به السفهاء…)، وأنا الآن أريد أن أتخصص في علم درء الشبهات المعاصرة؛ لأني أشعر أنها اشتدت ريح الشبهات والله المستعان ؛ فهل أدخل في كوني أرد على السفهاء في تويتر وغيره وأطلب العلم من أجل ذلك في ممارات السفهاء ؟
حكم تعلم العلم بنية دحض الشبهات المثارة حول الإسلام
السؤال: 315635
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَهُوَ فِي النَّارِ رواه ابن ماجه (253).
و عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ رواه ابن ماجه (254).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَيُجَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ رواه ابن ماجه (260).
وهذه الأحاديث وإن كان في أسانيدها ضعف؛ إلا أنه يشهد بعضها لبعض؛ فلذا صححها الألباني رحمه تعالى؛ حيث قال عن حديث جابر:
” وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه أيضاً الحافظ العراقي (1/ 52)، وهو كما قالوا إنْ سلم من الانقطاع؛ فإن ابن جريج وشيخه أبا الزُبير (مدلّسان) معروفان بذلك، وقد عنعناه، غير أنَّ الحديث صحيح على كل حال، فإن له شواهد في الباب يتقوّى بها، وتتقوّى به ” انتهى من “صحيح الترغيب والترهيب” (1 / 154).
وقال الشيخ محمد بن علي بن آدم الأثيوبي:
” حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما هذا من أفراد المصنّف، وهو صحيح، قال البوصيريّ: ” هذا إسناد رجاله ثقات، على شرط مسلم ” انتهى.
وهو كما قال، لكن فيه عنعنة ابن جريج، وأبي الزبير، وهما مدلّسان، لكن الحديث صحيح بشواهده ” انتهى من “مشارق الأنوار” (4 / 485 – 486).
جاء في “شرح الطيبي على مشكاة المصابيح” (2 / 681):
” قوله: ( ليجاري ): المجاراة المفاخرة، مأخوذة من الجري، لأن كل واحد من المتفاخرين يجري مجرى الآخر. و ( المماراة ) المحاجة ، والمجادلة، من المرية، وهو الشك؛ فإن كل واحد من المحتاجين يشك فيما يقول صاحبه، أو يشكك بما يورَد على حجته. أو المري، وهو مسح الحالبِ الضرعَ ليستنزل ما به من اللبن؛ فإن كلا من المتناظرين يستخرج ما عند صاحبه. و ( السفهاء ) الجهال، فإن عقولهم ناقصة مرجوحة بالإضافة إلى عقول العلماء.
أوقل: ههنا ألفاظ متقاربة: المجاراة، والمماراة، والمجادلة ” انتهى.
فظاهر الحديث يبين أن الشخص الذي يتعلم شرع الله تعالى لأجل جدال السفهاء؛ متوعد بالعذاب لأنه لم يحقق الإخلاص في تعلمه لشرع الله تعالى؛ بل جعل غايته من التعلم هو الجدال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رواه أبو داود (3664).
والنية الصحيحة والسليمة في طلب العلم؛ هو أن ينوي العمل به في خاصة نفسه ، ثم تعليه للناس، وتبليغه إليهم، وحمل الشريعة لمن غابت عنه ، ثم دفع عدوان المعتدين ، وتحريفات المبطلين عنه.
قال الله تعالى: فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ التوبة/122.
وقال الله تعالى: فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا الفرقان/52.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
” ( وَجَاهِدْهُمْ ) بالقرآن ( جِهَادًا كَبِيرًا ) أي: لا تبق من مجهودك في نصر الحق وقمع الباطل إلا بذلته، ولو رأيت منهم من التكذيب والجراءة ما رأيت، فابذل جهدك واستفرغ وسعك، ولا تيأس من هدايتهم ولا تترك إبلاغهم لأهوائهم ” انتهى من “تفسير السعدي” (ص 585).
فمن تعلم العلم بنيّة ردّ شبهات الكفار ونصح المسلمين؛ فهي نية صالحة.
سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” هل من وصية لطالب العلم المبتدئ؟
فأجاب:
الوصية لكل إنسان أن يخلص النية لله عز وجل، وألا يكون قصده بذلك الرئاسة ولا الجاه ولا المال، بل ويكون مقصده أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره، وأن يقيم الملة ويدافع عنها ويحميها، هذا أفضل شيء ” انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (226 / 36 ترقيم الشاملة).
فإن احتاج إلى الجدال والمماراة أثناء دعوته هذه؛ فلا بأس بهذا؛ لأنها ليست الغاية من التعلم؛ وإنما وسيلة للتبليغ؛ لكن عليه أن يجادل بالحسنى ووفق حدود الشرع.
قال الله تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ النحل/125.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
” أي: ليكن دعاؤك للخلق مسلمهم وكافرهم، إلى سبيل ربك المستقيم، المشتمل على العلم النافع، والعمل الصالح ( بِالْحِكْمَةِ ) أي: كل أحد على حسب حاله وفهمه وقوله وانقياده …
فإن كان المدعو يرى أن ما هو عليه حق. أو كان داعيه إلى الباطل، فيجادل بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا.
ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها، فإنه أقرب إلى حصول المقصود، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها، ولا تحصل الفائدة منها، بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها ” انتهى من “تفسير السعدي” (ص 452).
وقال الله تعالى: فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا الكهف/22.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
” ( فَلا تُمَارِ ) أي: تجادل وتحاج ( فيهم إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا ) أي: مبنيا على العلم واليقين، ويكون أيضا فيه فائدة ” انتهى من “تفسير السعدي” (ص 474).
فالحاصل؛ أن تعلم العلم الشرعي بنية دعوة الناس إلى دين الله تعالى؛ والدفاع عن الإسلام ورد كيد الكافرين؛ هي نية صالحة؛ بشرط أن لا يهتم طالب العلم بالعلوم التي هي من فرض الكفاية؛ ويهمل فروض العين كتعلم أصول عقيدته وصفة العبادات الواجبة من صلاة وصيام وغير ذلك.
عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَزْدِيِّ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ ويَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ ويَحْرِقُ نَفْسَهُ رواه الطبراني في “المعجم الكبير” (2 / 165 – 166)، وحسّنه الألباني في “صحيح الترغيب والترهيب” (1 / 164).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب