هناك عادة منتشرة عندما يتوفى شخص ما، بأن يتم وضعه في غرفة في بيته أو ساحة، ثم تتوافد نساء القرية، فيجلسن عند الميت، في الغرفة أو الساحة، على شكل حلقة حوله، جلوس وصمت فقط، حتى يحين موعد غسيل الميت. ربما يجلسن ساعة، وأحيانا تصل المدة 3 ساعات لتحلق النساء حول الميت، فما الحكم الشرعي في هذه مسألة؟
اجتماع النساء حول الميت قبل دفنه
السؤال: 316088
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
التعزية مستحبة، ويبدأ وقتها من بعد الوفاة قبل الدفن.
قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى:
” اتفقوا على استحباب تعزية أهل الميت.
واختلفوا في وقتها.
فقال أبو حنيفة: هي قبل الدفن، ولا تسن بعده.
وقال الشافعي وأحمد: تسن قبله وبعده. ” انتهى من “اختلاف الأئمة العلماء” (1 / 189).
سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
” متى يبدأ العزاء لأهل الميت، هل هو بعد الوفاة مباشرة أم بعد الدفن؟
فأجاب: يبدأ من حين الموت، قبل الصلاة وقبل الدفن، يعزون من حين يموت الميت ولو قبل أن يغسل، أو بعد التغسيل، بعد الصلاة، لا حد له، أما بدؤها من حين الموت والنهاية لا حد لها ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (14 / 335).
ثانيا:
النساء تشرع لهم التعزية كالرجال.
عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ المَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا، فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا، أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ، ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ، تَذْهَبُ بِبَعْضِ الحُزْنِ رواه البخاري (5417)، ومسلم (2216).
فالحاصل؛ أن من المشروع ذهاب النساء لمواساة أهل الميت من النساء.
ثالثا:
الاجتماع حول الميت، بالصورة المذكورة في السؤال : في بيت ، أو ساحة ، ويتحلق النساء من حوله : لا يظهر لنا مشروعيتها ، لما فيها من تهييج الأحزان ، والمساعدة على النياحة ، وفي أخراجه من حجرته، أو مكانه الذي توفي فيه ، ووضعه في “ساحة” يلتف النساء من حوله : فيه ما لا يخفى من امتهانه ، وعدم صونه ؛ لا سيما إن لم تكن الجالسات من حوله هن نساءه ، وأهل بيته المختصات به .
فتحصل لنا صور ممنوعة من الجلوس المذكور حول الميت، قبل دفنه :
الأولى:
أن يكون هذا الجلوس مما يخرج أهل البيت عن حد البكاء والحزن الجائز إلى النياحة، فيهيج حزنهم ويجدده فيزيدهم حزنا وبكاء، والجالسات لا ينهين عن هذا ، بل يشاركن فيه، ففي هذه الحال ينهى عن مثل هذا الجلوس ، لأنه مضاد لمقصد التعزية والنصح والتواصي بالصبر.
لكن إذا كان هذا لا يزيد الحزن والبكاء، وبكاء أهل الميت أو بعض الحاضرات لا يزيد على دمع العين، فلا بأس.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
” أما البكاء بغير نياح فلا بأس به عند جماعة العلماء وكلهم يكرهون النياحة ورفع الصوت بالبكاء والصراخ والفرق في ذلك عندهم بين ” انتهى من “التمهيد” (17 / 284).
وقد سبق بسط هذا في الجواب رقم : (154215).
الثانية:
أن يكون هذا الجلوس مقصودا لذاته، بحيث يؤخر من أجله غسل الميت ودفنه، ففي هذه الحال يكون هذا الاجتماع خارج حد التعزية المباحة؛ ومخالفا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إليه، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ رواه البخاري (1315)، ومسلم (944).
قال محمد عليش رحمه الله تعالى:
” قال العلماء رضي الله تعالى عنهم: والمراد بالإسراع بالجنازة ما يعم غسلها، وتكفينها، وحملها … ” انتهى من “فتح العلي المالك” (1 / 155).
وسُئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
” ما الضَّابط في تأخير دفن الميت؟
ليس له ضابط، إلا تحري الشيء الذي ينفع، إمَّا لكي يحضر أناسٌ من أقاربه الجنازةَ، أو لأجل تأخّر الغاسل، أو بسبب الكفن.
والسنة الإسراع به؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( أسرعوا بالجنازة، فإن تكن صالحةً فخيرٌ تُقدِّمونها إليه )، فالسنة الإسراع بها ، إلا من علَّة ” انتهى. “فتاوى الدروس”.
http://bit.ly/2swddZB
الثالثة:
أو أن يكون هذا الجلوس بدافع اعتقاد باطل، كاعتقاد بعضهم أن روح الميت تحوم في المكان، أو اعتقاد فضل الجلوس على هذه الهيئة والانكار على من خالفها؛ لأن هذا ابتداع في الدين.
الرابعة:
أن يكون هذا الجلوس والانتظار يشق على أهل الميت ويحرجهم، فينهى عنه لما فيه من الاضرار بهم، والضرر يجب أن يزال.
ففي هذه الأحوال السابقة ينهى عن هذا الجلوس من أجل هذه المنكرات، ولخروجه عن حد التعزية المشروعة.
جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – المجموع الثانية” (7 / 411):
” إذا كان العزاء يشتمل على شيء من البدع أو المحرمات؛ كإقامة المأتم والنياحة وأمور الجاهلية فإنه لا يجوز حضوره لا للرجال ولا للنساء، إلا من يقدر على إنكار المنكر، وإن كان لا يشتمل على شيء من ذلك فلا بأس بالذهاب لتعزية أهل الميت بما يوافق السنة.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد ، عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز ” انتهى.
الخامسة:
أن يكون في ذلك امتهان لحرمة الميت، أو ابتذال لجثته، أو تعريضها للأذى، أو أن يظهر من شيء من ريح أو منظر، يتقذره الناس؛ فكل ذلك ونحوه ممنوع ، وحرمة المؤمن ميتا، كحرمته حيا، وما زال العلماء يمنعون من أشياء في الجنائر، والدفن، وأحكام المقابر، ويعللون ذلك بما فيه من انتهاك لحرمة الميت، أو امتهان له.
وقد جاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (9/125) : ” أخرج الإمام أحمد في المسند وأبو داود في السنن عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كسر عظم الميت ككسره حيا )، وهذا يدل على حرمة الميت وعدم التعرض له بالأذى أو الامتهان لقبره. ” . انتهى.
وينظر أيضا: “فتاوى اللجنة” (9/121-122).
وينظر أيضاً جواب السؤال رقم : (174754).
وأما مجرد الجلوس في بيت المتوفى، من غير هيئة مخصوصة ، ولا امتهان له ، ولا نياحة ، ولا تهييج على شيء من ذلك، إلى أن يفرغ من تجهيزه ، ثم تشييع المشيعون من الرجال له، أو بقدر ما تحصل به تعزية أهل الميت: فلا حرج فيه ، إن شاء الله.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة