0 / 0

الوقوع في المعاصي بعد الحج وقبل طواف الوداع

السؤال: 318077

حججت هذا العام، وأتممت جميع المناسك، حتى رمي جمرات أيام التشريق، وأنا مقيم بمكة وباقٍ فيها أسبوعين أو أكثر حتى أسافر، فهل علي طواف وداع ؟ وإذا كان يجب علي طواف وداع ، فهل المعاصي التي وقعت فيها بالفعل في تلك الفترة التي بعد انتهاء الحج والوداع تؤثر على ثواب الحج وصحته أم إنه لا تعتبر تلك الفترة في الحج ؟

ملخص الجواب

استهانة الحاج بالمعاصي بعد الحج أمر خطير يجمع مفاسد عدة، والرجوع إلى المعاصي بعد الحج يفوت به فضل عظيم جدا، وهو الوعد بالجنة. والمعاصي فوق أنها منهي عنها؛ فإن فعلها في الشهر الحرام “ذي الحجة” وفي البلد الحرام “مكة” يكون شأنها أخطر. فلذا على المسلم ، وعلى الحاج خصوصا : أن يجتهد في الابتعاد عن المعاصي، وإذا ضعفت نفسه ووقع في شيء منها ، فعليه المبادرة إلى التوبة والإستغفار، ولا ييأس من رحمة الله تعالى.

الجواب

أولا:

نسأل الله الكريم أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.


ثانيا: طواف الوداع آخر عمل يقوم به الحاج قبل الخروج من مكة

أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون طواف الوداع آخر عمل يقوم به الحاج قبل الخروج من مكة.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: “كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ ” رواه مسلم (1327).

فمن أراد الإقامة أياما في مكة بعد الحج: أَخَّر طواف الوداع إلى وقت خروجه، ثم يطوف ويسافر.

راجع للأهمية جواب السؤال رقم: (97795).


ثالثا: هل طواف الوداع من جملة المناسك أم عبادة مستقلة؟

اختلف أهل العلم في طواف الوداع؛ هل هو من مناسك الحج، أو لا؟

قال النووي رحمه الله تعالى:

” هل طواف الوداع من جملة المناسك أم عبادة مستقلة؟ فيه خلاف.

قال إمام الحرمين، والغزالي: هو من المناسك، وليس على -غير- الحاج والمعتمر طواف وداع إذا خرج من مكة لخروجه .

وقال البغوي، والمتولي، وغيرهما: ليس طواف الوداع من المناسك، بل هو عبادة مستقلة يؤمر بها كل من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر، سواء كان مكيا أو أفقيا – أي غير مكي -.

وهذا الثاني أصح عند الرافعي، وغيره من المحققين؛ تعظيما للحرم، وتشبيها لاقتضاء خروجه الوداع باقتضاء دخوله الإحرام.

قال الرافعي: ولأن الأصحاب اتفقوا على أن المكي إذا حج ونوى على أن يقيم بوطنه لا يؤمر بطواف الوداع، وكذا الأفقي إذا حج وأراد الإقامة بمكة لا وداع عليه، ولو كان من جملة المناسك لعم الحجيج ” انتهى من “المجموع” (8 / 256).

وقد دل ظاهر السنة على أنه ليس من النسك؛ كما نبه النووي رحمه الله تعالى، ونص الوحي؛ هو حديث الْعَلَاء بْن الْحَضْرَمِيِّ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بِمَكَّةَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا   رواه مسلم (1352).

قال النووي رحمه الله تعالى:

” وموضع الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم: ( بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ )، والمراد قبل طواف الوداع كما ذكرنا؛ فإن طواف الوداع لا إقامة بعده، ومتى أقام بعده، خرج عن كونه طواف الوداع، فسماه قبله قاضيا لمناسكه. والله أعلم ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (9 / 122).

فالحاصل؛ أن الذي يدل عليه ظاهر السنة، والمعقول أيضا: هو أن طواف الوداع ليس من ضمن مناسك الحج.

ولذلك: فأهل مكة ليس عليهم أن يطوفوا للوداع ؛ لأن الطواف وجب توديعا للبيت ، وهذا المعنى لا يوجد في أهل مكة لأنها وطنهم.

لكن، مع ذلك: إذا أراد شخص من أهل مكة أن يسافر منها بعد أداء المناسك فإنه يلزمه طواف الوداع قبل الخروج من مكة .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

” فأفعال الحج لم يفرض الله منها شيئا مرتين، فلم يفرض وقتين، ولا طوافين، ولا سعيين، ولا فرض الحج مرتين.

وطواف الوداع ليس بركن، بل هو واجب، وليس هو من تمام الحج.

ولكن كل من خرج من مكة عليه أن يودع. ولهذا من أقام بمكة لا يودع على الصحيح، فوجوبه ليكون آخر عهد الخارج بالبيت ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (26 / 6).

وينظر ما سبق في جواب السؤال رقم : (41894).


رابعا: الوقوع في المعاصي بعد الحج 

اجتناب الحاج المعاصيَ أثناء حجه: له فضل كبير.

عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:   مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ   رواه البخاري (1521)، ومسلم (1350).

لكن هذا لا يعني أن الحاج يستهين بالمعاصي بعد الحج؛ بل هذه الاستهانة خطيرة تجمع مفاسد عدة، ويفوت بها أجر عظيم.

فالمعاصي فوق أنها منهي عنها؛ فإن فعلها في الشهر الحرام “ذي الحجة” وفي البلد الحرام “مكة” يكون شأنها أخطر.

قال الله تعالى:  إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ   التوبة/36.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

” وقال تعالى: ( فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) أي: في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ )، وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (4 / 148).

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:

” (وَلَمْ يَفْسُقْ) يعني لم يصر على المعاصي، بل حج تائبا نادما لا معصية له، رجع كيوم ولدته أمه، وهذا فيه فضل الحج وأنه يكفر السيئات ويحط الخطايا لمن لم يصر على المعاصي، بل ابتعد عن الرفث والفسوق ” انتهى من:والرجوع إلى المعاصي بعد الحج يفوت به فضل عظيم جدا، وهو الوعد بالجنة.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ   رواه البخاري (1773)، ومسلم (1349).

وقد فسّر “الحج المبرور”: بالحج الذي لا تعقبه الذنوب.

قال ابن العربي رحمه الله تعالى:

” فإن قيل في قوله: “الحج المبرور” وما هو؟

قيل: هو الذي لا يعصي الله بعده أبدا، ولا يُلم بذنب.

وفيه وجه ثان: وهو الذي لم يرفث ولم يفسق، وسلم وقت الحج من ذلك، وتمادى عليه إلى أن لقي الله وهو غير عاص، فذلك هو الحج المبرور ” انتهى من “المسالك” (4 / 343).

ومباشرة المعاصي بعد نهاية مناسك الحج؛ تنافي أمر الله تعالى للحاج بملازمة الاستغفار وذكر الله بعد قضاء المناسك؛ حيث قال تعالى:( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) البقرة/199 – 200.

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

” ثم أفيضوا من مزدلفة من حيث أفاض الناس، من لدن إبراهيم عليه السلام إلى الآن، والمقصود من هذه الإفاضة كان معروفا عندهم، وهو رمي الجمار، وذبح الهدايا، والطواف، والسعي، والمبيت بـ “منى ” ليالي التشريق، وتكميل باقي المناسك.

ولما كانت هذه الإفاضة، يقصد بها ما ذكر، والمذكورات آخر المناسك، أمر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والإكثار من ذكره، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد، في أداء عبادته وتقصيره فيها، وذكر الله شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة.

وهكذا ينبغي للعبد، كلما فرغ من عبادة، أن يستغفر الله عن التقصير، ويشكره على التوفيق، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة، ومنّ بها على ربه، وجَعلت له محلا ومنزلة رفيعة، فهذا حقيق بالمقت، ورد الفعل، كما أن الأول، حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر ” انتهى من “تفسير السعدي” (ص 92).

فلذا على المسلم ، وعلى الحاج خصوصا : أن يجتهد في الابتعاد عن المعاصي، وإذا ضعفت نفسه ووقع في شيء منها ، فعليه المبادرة إلى التوبة والإستغفار، ولا ييأس من رحمة الله تعالى.

نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق لما يحبه ويرضاه، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android