كنا في جلسة عائلية، وأقيمت الصلاة، وأحد الشباب الحاضرين يلبس شورتا، أي بنطلونا قصيرا لا يغطي الركبة، فلما بدأ الامام الصلاة فأخذ تنورة نسائية هي جزء من لبس صلاة خاص بالنساء ولبسها، وصلى بها، وكانت هذه التنورة تحتوي بعض الزخرفة، وقليلا من قماش الشيفون الخاص بالنساء، فلما فرغت الصلاة أنكرت عليه، وقلت له : لولا وضعت غطاء، أو سالت صاحب البيت عن بنطال رجالي لتغطية عورتك عوضا عن لبس التنورة النسائية، وإن لم تجد وقتها ربما يجوز لك ذلك، خصوصا أني وجدته يفعل ذلك أكثر من مرة بدون التماس للبس رجالي، وحجته أنه ما لبسها إلا لستر العورة، ولايجب الإنكار عليه في هذه الحالة، وأن هذا ليس بتشبه، فما حكم ما فعله هذا الشاب؟
حكم لبس الرجل تنورة نسائية لستر عورته في الصلاة أو إذا كان لا يراه أحد من الناس
السؤال: 319147
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
لا يجوز للرجل أن يلبس شيئا مما يختص به النساء، كما لا يجوز العكس، وهو من كبائر الذنوب؛ لما جاء فيه من اللعن.
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ” لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ” رواه البخاري ( 5435).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : ” لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ” رواه أبو داود ( 4098 ) وصححه النووي في ” المجموع ” ( 4 / 469 ) ، والألباني في “صحيح أبي داود” .
قال ابن حجر رحمه الله في “الفتح” (10/ 332): “قوله: “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين” ، قال الطبري: المعنى لا يجوز للرجال التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ، ولا العكس.
قلت: وكذا في الكلام والمشي.
فأما هيئة اللباس: فتختلف باختلاف عادة كل بلد ، فرب قوم لا يفترق زي نسائهم من رجالهم في اللبس ؛ لكن يمتاز النساء بالاحتجاب والاستتار.
وأما ذم التشبه بالكلام والمشي : فمختص بمن تعمد ذلك. وأما من كان ذلك من أصل خلقته، فإنما يؤمر بتكلف تركه والإدمان على ذلك بالتدريج، فإن لم يفعل وتمادى : دخله الذم ، ولا سيما إن بدا منه ما يدل على الرضا به، وأخذ هذا واضح من لفظ (المتشبهين)” انتهى.
وما يختص به الرجال أو النساء يرجع إلى اللون ، وصفة التفصيل ، ويختلف بالعرف كما في كلام ابن حجر ، وكما سيأتي في كلام ابن عثيمين.
ثانيا:
لا فرق بين أن يكون لبس هذه الثياب أمام الناس، أو خفية، كما لو لبسها في بيته ، أو لبس ملابس النساء الداخلية.
سئل علماء اللجنة الدائمة : ما قول الشيخ فيمن يلبس ملابس النساء في الخفاء ؟
فأجابوا :”صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء ) ، وفي لفظ : ( لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ).
لبس الرجل ملابس النساء داخل في هذا النهي ، فيحرم هذا الفعل ، ولو كان في الخفاء ؛ لعموم النص بالتحريم.
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد ” انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 24 / 94).
ثالثا:
إذا ستر المصلي عورته بملابس النساء، ففي صحة صلاته خلاف، فلا تصح عند الحنابلة لاشتراطهم كون السترة مباحة.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” امرأة تخصص ثوباً للصلاة ، وهو من ثياب الرجال : هل تجوز صلاتها ، وهل يدخل ذلك في باب التشبه بالرجال؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
إذا كان الثوب الذي تلبسه المرأة من الثياب الخاصة بالرجال : فإن لبسها إياه حرام ، سواء كان في حال الصلاة أو في غير حال الصلاة ، وذلك لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (لعن المتشبهات من النساء بالرجال ، ولعن المتشبهين من الرجال بالنساء) ؛ فلا يحل لامرأة أن تلبس ثوباً خاصاً بالرجل ، ولا يحل للرجل أن يلبس ثوباً خاصاً بالمرأة .
ولكن يجب أن نعرف ما هي الخصوصية ، ليست الخصوصية في اللون ، ولكنها في اللون والصفة ، ولهذا يجوز للمرأة أن تلبس الثوب الأبيض ، إذا كان تفصيله ليس على تفصيل ثوب الرجل .
وإذا تبين أن لبس المرأة ثوباً يختص بالرجل حرام ، فإن صلاتها فيه لا تصح عند بعض أهل العلم الذين يشترطون في السترة أن يكون الساتر مباحاً .
وهذه المسألة مسألة خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من اشترط في الثوب الساتر أن يكون مباحاً ، ومنهم من لم يشترط ذلك .
وحجة القائلين باشتراطه : أن ستر العورة من شروط الصلاة ، ولا بد أن يكون الشرط مما أذن الله فيه، فإذا لم يأذن الله فيه ، لم يكن ساتراً شرعاً ، لوقوع المخالفة .
وحجة من قالوا بصحة الصلاة فيه مع الإثم : أن الستر قد حصل ، والإثم خارج عن نطاق الستر ، وليس خاصاً بالصلاة ؛ فتحريم لبس الثوب المحرم في الصلاة وخارجها .
وعلى كل حال : فالمصلى بثوب محرم على خطر في أن ترد صلاته ولا تقبل منه” انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (8/ 2).
والحاصل :
أنك مصيب في الإنكار على هذا الشاب، وعليه أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يحذر عقابه، وألا يعود إلى لبس شيء من ملابس النساء ، لا في الصلاة ولا غيرها، وصلاته صحيحة على مذهب الجمهور.
واعلم أن عورة الرجل ما بين السرة والركبة ، فلا يجوز أن يلبس أمام الرجال ما يظهر عورته كالشورت القصير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَوْرَةٌ .
رواه الطبراني والدار قطني وأحمد وأبو داود، وحسنه الألباني في “إرواء الغليل” برقم 271.
وكذلك عورته في الصلاة : ما بين السرة والركبة، فالركبة ليست من العورة، لكن إذا كان لباسه لا يغطي الركبة ، فالغالب أنه ينكشف شيء من فخذه في الصلاة ، خاصة في الركوع والجلوس للتشهد وبين السجدتين.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب