أنا أستاذ جامعي، وتوصيل إنتاجي الفكري وإنجازي للآخرين وإظهار تميزي لا بد منه في هذا الزمن، وأنه يرتبط بالإعلام عنه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وأحيانا الصحافة، فمثلا الإعلان على الفيس بوك أو تويتر أني نشرت كتابا جديدا، أو انتهيت من بحث علمي، ونشرته في مجلة ما، أو ناقشت رسالة، أو اشتركت في مؤتمر علمي… إلى آخره. حتى هذه اللحظة أنا لا أعلن عن إنجازاتي على مواقع التواصل، لكنني أعرف من هم أقل مني خبرة وكفاءة وإنجازا يسوقون لأنفسهم من خلال هذه المواقع، ويكون لذلك أثر بالغ في زيادة تأهيلهم مهنيا لمكانة أفضل، وتوسعة باب اعتماد الجهات الرسمية عليهم مما يعود عليهم بالفائدتين المادية والمعنوية. سؤالي: هل لي أن أنشر إنجازاتي على مواقع التواصل، مع خوفي البالغ من اعتبار هذا رياءً أو رغبة في إثارة الإعجاب، وفي الوقت نفسه فليس للإنجازات العلمية قيمة إن لم نعلنها للآخرين، وكما تعلمون أن الإعلام البديل هو أكبر منصة الآن لتسويق الذات، وإلا فما فائدة الإنجازات إن لم يعلم بها الناس، وهذا أمر محير جدا حقيقة ؟
حكم تسويق الذات إعلاميا، بنشر الأبحاث والكتب لينال وظيفة أو رفعة وشهرة
السؤال: 330416
Table Of Contents
أولا:
الرياء في العمل
الرياء أن يعمل الإنسان العمل لغير الله، كأن يؤلف كتابا لينال حمد الناس وثناءهم.
وأما بعد تمام العمل، فالحذر يكون من العُجب، أن يعجب الإنسان بعمله وينسى فضل الله عليه، ومن التسميع وهو أن يريد الصيت والسمعة.
روى البخاري (6499)، ومسلم (2986) عن جُنْدَب، قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ .
قال ابن بطال رحمه الله في "شرح البخاري" (10/ 208): " قوله: (من سمّع) معناه من سمع بعمله الناس ، وقصد به اتخاذ الجاه والمنزلة عندهم، ولم يرد به وجه الله، فإن الله تعالى يسمع به خلقه، أى يجعله حديثًا عند الناس، الذى أراد نيل المنزلة عندهم بعمله، ولا ثواب له فى الآخرة عليه، وكذلك من راءى بعمله الناس راءى الله به، أى أطلعهم على أنه فعل ذلك لهم ولم يفعله لوجهه، فاستحق على ذلك سخط الله وأليم عقابه، وقد جاء فى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يقال للعبد يوم القيامة: فعلت كذا وكذا ليقال، فقد قيل، اذهبوا به إلى النار)" انتهى.
وقال أبو العباس القرطبي في "المفهم" (17/ 94): " وإعجاب الرجل بنفسه: هو ملاحظته لها بعين الكمال والاستحسان، مع نسيان منة الله تعالى، فإن رفعها على الغير واحتقر ، فهو الكبر المذموم" انتهى.
ثانيا:
حكم نشر الإنجازات والأبحاث على مواقع التواصل
لا حرج في نشر أخبار الأبحاث والإنجازات، وما يتعلق بها، على مواقع التواصل الاجتماعي، بنية الإعلان عنها، والدلالة عليها، ليستفيد منها الناس، فتعظم الفائدة، ويكثر الأجر، فكم من كتاب جيد، وبحث نافع حرم منه الناس لعدم من يروج له.
كما أنه لا حرج من نشر الأبحاث والإنجازات، ليدُل صاحبُها الجهات المعنية، على أهليته لتولي الأعمال والوظائف . ولعل هذا من باب قول يوسف عليه السلام: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) يوسف/55.
وليحذر المسلم أن يكون قصده بذلك العلو على الناس والترفع عليهم ، وإظهار التمييز عنهم ، أو ألا تكون له همة بعمل الخير، إلا طلب الدنيا، وزينتها ؛ فإن ذلك كله من المهلكات .
وقد قال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ القصص/83
وروى أحمد (15784)، والترمذي (2376) عن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ، لِدِينِهِ والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
والمعنى: أن حرص المرء عليهما أكثر فسادا لدينه، من إفساد الذئبين الجائعين للغنم.
وينظر: "تحفة الأحوذي" (7/ 39).
قال العز ابن عبد السلام رحمه الله: " ومدحك نفسك أقبح من مدحك غيرك، فإن غلط الإنسان في حق نفسه أكثر من غلطه في حق غيره، فإن حبك الشيء يعمي ويصم، ولا شيء أحب إلى الإنسان من نفسه، ولذلك يرى عيوب غيره ولا يرى عيوب نفسه، ويعذر به نفسه، بما لا يعذر به غيره، وقد قال تعالى: فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى [النجم: 32]، وقال: ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء [النساء: 49] .
ولا يمدح المرء نفسه إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، مثل أن يكون خاطبا إلى قوم فيرغبهم في نكاحه، أو ليعرّف أهليته للولايات الشرعية والمناصب الدينية، ليقوم بما فرض الله عليه عينا أو كفاية، كقول يوسف عليه السلام: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم [يوسف: 55]. وقد يمدح المرء نفسه ليُقتدى به فيما مدح به نفسه، كقول عثمان رضي الله عنه: ما تعنيت منذ أسلمت، ولا تمنيت، ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا مختص بالأقوياء الذين يأمنون التسميع ويُقتدى بأمثالهم" انتهى من "قواعد الأحكام" (2/ 210).
فإذا أردت أن تنشر كتبك وأبحاثك، فاجعل النية هي الدلالة عليها لينتفع بها الناس، واحذر أن تكون النية هي الدلالة على شخصك أو علمك، لمجرد كسب الجاه، أو لترتفع منزلتك في نفوس الناس.
وانظر في ذم طلب الشهرة والرئاسة: جواب سؤال (هل يجوز طلب الشهرة وحب الظهور في الأمور الدنيوية ؟).
نسأل الله لنا ولك السلامة والعافية.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب