كيف أجعل همي إرضاء الله، ولا التفت لما يقول الناس؟ وما هي الكتب التي تساعدني على هذا ؟
كيف السبيل ليكون هم العبد مرضاة الله وليس الناس؟
السؤال: 332915
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إن أعظم ما يقصده العبد المؤمن مرضاة رب العالمين .
قال الله : وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التوبة/72 .
وروى البخاري في "صحيحه" (6549) ، ومسلم في "صحيحه" (2829) ، من حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ؟ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالُوا: يَا رَبِّ ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي ، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا .
وعنوان حياة المؤمن أنه يتلمس مرضاة الله وحده لا شريك له وإن سخط الناس ، وعلامة المنافقين حرصهم على مرضاة الخلق وإن سخط رب العالمين .
قال الله في شأن المنافقين : يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ التوبة/62.
وإن مما يعين العبد على أن يتلمس مرضاة الله وحده ما يلي :
أولا : أن يعرف العبد ربه ، فيوقن أن الأمر كله بيده ، وأنه وحده من يدبر الأمر ، وأنه وحده الخافض الرافع ، وحده من يعز ومن يذل ، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ، وأن كلَّ الناس لا يملكون له ولا لأنفسهم نفعا ولا ضرا ، ولا موتا ولا حياة ولا أي شيء .
فإن أيقن العبد بذلك تعلق قلبه بربه ، لإيمانه أن الناس لا ينفعوه إلا بإذن ربه ، ولا يضروه إلا بإذنه وحده .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ .
أخرجه الترمذي في "سننه" (2516) ، وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (5/497).
ثانيا : أن يوقن العبد أن محبة الناس له ورضاهم عنه بإذن ربه ومولاه ، فإن هو أرضى ربه ألقى محبته في قلوب عباده المؤمنين .
فقد أخرج الترمذي في "سننه" (3267) ، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه ، قال : قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ:" يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .
والحديث صححه الشيخ الألباني في "صحيح الترمذي" (2605)
الله وحده من إذا أثنى على عبد ومدحه زانه ، وإذا سخط على عبد وذمه شانه ، أما من سواه من الناس فلا يملكون من ذلك شيئا إلا بإذنه .
وقد جاء في الحديث أن الله هو من يضع حب العبد أو بغضه في قلوب الخلق .
أخرج البخاري في "صحيحه" (3209)، ومسلم في "صحيحه" (2637) ، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ ، قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ ، قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ .
ثالثا : أن يوقن العبد أن التفات قلبه لمرضاة الناس دون رب العالمين خذلان ، يعود صاحبه مذموما لا مادح له ، مخذولا لا ناصر له ، وأنه إن تلمس مراضي الله وحده كفاه الله الناس .
قال الله : لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا الإسراء/22.
وروى ابن حبان في "صحيحه" (277) ، من حديث عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: مَنْ أَرْضَى اللَّهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ ، وَمَنْ أَسْخَطَ اللَّهَ بِرِضَا النَّاسِ وَكَلَهُ اللَّهُ إلى الناس .
والحديث صححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2311) .
وانظر إلى كعب بن مالك رضي الله عنه كيف كان همه الصدق ومرضاة الله وحده ، لإيمانه أن الله سيكفيه إن صدق ، وأنه إن كان همه الخروج من سخط الناس بالكذب ؛ فإن الله يوشك أن يُسخط عليه الناس .
يحكي كعب رضي الله في قصة توبته ، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : " إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ، لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ ، وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا ، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ ، لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي ، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ ، تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ ، إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ ، لاَ وَاللَّهِ، مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى ، وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ .
أخرجه البخاري في "صحيحه" (4418) ، ومسلم في "صحيحه" (2769) .
رابعا : أن تعلم أنه ليس إلى مرضاة الناس من سبيل ، فإن الإنسان الأصل فيه الظلم والجهل ، وإرضاء الناس غاية لا تُدرك ، فإنهم لم يرضوا عن ربهم أفيرضون عنك أنت ؟!
أخرج البيهقي في "الزهد الكبير" (180) بإسناد صحيح ، عن الحسن البصري أنه قيل له :" إن الناس يأتون مجلسك ليأخذوا سقط كلامك فيجدون الوقيعة فيك ، فقال : هون عليك فإني أطمعت نفسي في جوار الله ، فطمعت ، وأطمعت نفسي في الجنان فطمعت ، وأطمعت نفسي في الحور العين ، فطمعت ، وأطمعت نفسي في السلامة من الناس ، فلم أجد إلى ذلك سبيلا ، إني لما رأيت الناس لا يرضون عن خالقهم علمت أنهم لا يرضون عن مخلوق مثلهم" .
وقد قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ ليونس بن عبد الأعلى:" يَا أَبَا مُوسَى لَوْ جَهَدْتَ كُلَّ الْجَهْدِ عَلَى أَنْ تُرْضِيَ النَّاسَ كُلَّهُمْ ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَخْلِصْ عَمَلَكَ وَنِيَّتَكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".
أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (6518) .
فليكن همُّ العبد مرضاة ربه وحده ، فإن رضي فحسبك به .
وليكن شعار حياتك ، ودأبك مع رب العالمين:
فَلَيْتَكَ تَحْلُو، وَالْحَيَاةُ مَرِيرَةٌ … وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالْأَنَامُ غِضَابُ
وَلَيْتَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَامِرٌ … وَبَيْنِي وَبَيْنَ الْعَالَمِينَ خَرَابُ
إِذَا صَحَّ مِنْكَ الْوُدُّ فَالْكُلُّ هَيِّنٌ …. وَكُلُّ الَّذِي فَوْقَ التُّرَابِ تُرَابُ
وأما الكتب ، فلا نعلم كتابا مؤلفا في هذا الموضوع خاصة ، لكن نوصي السائل وجميع المسلمين بالتعرف على الله أكثر ، فكلما عرف العبد ربه كان همه مرضاة ربه فحسب ، وما ضره سخط الناس .
ومن الكتب الجيدة في ذلك كتاب "النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى" ، لمؤلفه الدكتور محمد الحمود النجدي .
ونوصي كذلك بكثرة مطالعة كتب ابن رجب الحنبلي وابن القيم ، فكلامهم في هذا الباب من أنفع ما يكون .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب